للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المجلس حتى يفْترقَا أو يختارا الإِمضاءَ، حكاه أَبو الطاهر عن ابن حبيب مِنَّا، وكذا

كل شيء هو في معنى البيع كالإِجارَة والصرف والسَّلَم والقِسمة.

واحتجّ الشافعي بقوله عليه الصلاة والسلام: "المتعاقدان بالخيار ما لم يفترقا (٥٧) .. " الحديث.

ولأصحابِنا الجوابُ عنه من وجوه: (٥٨)

منها أن قالوا: المراد بالمتبايعَيْن، المشتغِلار بالبيع، والافتراقُ، المراد به بالأقوال. والشافعي يقول: المتبايِعان، الرادُ به الذي صدر منهما التبايُعُ، والافتراقُ عنده بالأجسام، فهُو حمَلَ الافتراق على المعنى الحقيقي، من حيث إنه حمله على الأجسام، ونحن حملناه على المعنى المجازى الذي هو بالأقوال.

ثم إنَّا نحن قضينا بالمتبايَعين على حالة التبايع، وذلك الأصل في اسم الفاعل، وهو حَمَلهُ على الماضي، وذلك مجاز، فليس ترجيح أحد التاويلين على الآخر بأوْلى من العكْس، فيكون مجمَلا، ويَسقُطُ به الاستدلال.


(٥٧) حديث صحيح متفق عليه بين الشيخين: البخاري ومسلم، وأخرجه غيرهما. وتمامُه كما أورده القرافي: "إلا بِبَيْعِ خِيارٍ أو يقُولُ أحدهما للآخر: إختر".
ونصُّهُ عن حكيم بن حزَام رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: البيِّعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صَدَقا وبَيَّتَا بورك لهما في بيعهما، وإن كَذَبا وكتَمَا مُحقَتْ بركة بيعهما". والبيِّعان بفتح الباء وتشديد الياء المكسوة تثنية بيَّع كقَيّم، يُراد بهما البائع والمشتري. وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "كلَ بيِّعيْن لابيعَ بيهما حتى يتفرقا، إلَا بيعَ الخيار"، أيْ إلا إذا اشترط أحدهما خيار ثلاثة أيام، وهذا خيار الشرط، حيث يشترط الشخص شيئا على أن يكون له الخيار مدة معلومة في إنفاذ البيع أو إلغائه خلالها. وعنه أيضا: "إذا تبايعَ الرجُلَاِن فكل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا وكانا جميعا، أو يخيِّرْ أحدُهما الآخَر فتبايعا على ذلك، فقد وجب البيع"، حديث صحيح متفق عليه.
علق ابن الشرط على احتجاج الشافعي بهذا الحديث فقال: تلك حجة قوية، والعادةُ -غالبا- ألا يطول مجلس المتبايعين طولا يُفَوِت المقصودَ من العوضين. كيف وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: "أو يقول أحدهما للآخَرَ: إختَرْ (أي إختَرْ الإمضاء".
(٥٨) ذكر القرافي أنها عشرة أجوبة، اقتصَر البقوري على بعضها إيجازاً واختصارا.

<<  <  ج: ص:  >  >>