للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: بل هو مَجَازٌ على التبايع ومجاز على الافتراق، كما قلت من حيث إن إطلاق المتبايعيْن على المتساوِمَيْن مجاز، وإطلاقُه على من أبرمَ العقد حقيقة.

قال شهاب الدين: ومنها قوله عليه السلام في بعض الطرق، في أبي داود والدارقطني: "المتبايعان، كُلُّ واحد منها بالخيار ما لم يتفرقا، إلَّا أن يكون (البيع) صفقةَ خيارٍ، ولا يحِلُّ له أن يفارق صاحبه خشيةَ أن يستقيله"، ولو كان خيار المجلس مشروعاً ومالَمْ يُحتَجْ للإِقالة. (٥٩).

ومنها عمَلُ أهل المدينة، وهو مقدَّم على خبر الواحد. (٦٠)

قال شهاب الدين: ونذكر وجْهاً آخر ندعي الدلالة للخبر على بطلان خيار المجلس، (٦١) عكس ما تدعيه الشافعية، وذلك مَبْنيٌّ على ثلاث قواعد (٦٢):


(٥٩) قال ابن الشاط هنا معلقا على هذا الكلام عند القرافي: لا دلالة للفظ الإقالة على بطلان خيار المجلس، إنما هي بالضِّمْن لا بالصريح، على تقدير أن لفظ الإقالة حقيقة لامجاز، ويلزم عن ذلك مخالفة آخر الكلام أولَه، فإن أول الكلام يقتضي صريحاً ثبوت خيار المجلس، ويلزم عن ذلك أيضا أن مقتضَى الحديث التاكيدُ لما هو مقرر من أن المتبايعَيْن أو المتساومين بالخيار، وذلك مرجوح، فإن. حمل كلام الشارع على التأسيس إِذا احتمله أولى، ويلزمُ عن ذلك أيضا عدم الفائدة في الاستثناء بقوله: "إلا أن تكون صفقةَ خيار"، فإنَّهُ لا شك أن المتساومين أو المعتادين للبيع والابتياع، ما لم يقع العقد بينهما، بالخيار فى كل حال من أحوالهما، وفي صفقة الخيار وغيرها. ثم زاد ابن الشاط فقال: وبالجملة، ففي حمل لفظِ المتبايعَيْن على المجاز وحمل لفظ الإِقالة على الحقيقة، ضروب من ضَعف الكلام وتعارُضِه وعدم الفائدة، وكل ذلك غير لا ئق بفصاحة صاحِبِ الشرع. وفي حمل الاقالة على المجاز وأن المراد با اختيار الفسخ، وحمْل المتبايعين على المتعاقديْن، قوة الكلام واستقامته، وثبوتُ فائدته، والله تعالى أعلمُ.
(٦٠) علق ابن الشاط على هذا الوجه من وجوه الاحتجاج للمالكية عند القرافي بقوله: ليس للمالكية كلام يقْوىَ، غيرُ هذا، فإذا ثبتَ عملُ أهْلِ المدينة رجَح على خبر الواحد، والله تعالى أعلم.
(٦١) هكذا في نسختين ع، وت، ندَّعي بالنون، وفي نسخة ح: ويذكر وجها آخر يدعي، بياء المضارعة في الفعلين معا، ولعل ما في العبارة الاولى بالنون أولى وأنسب، كما هو واضح عند القرافي حيث قال: .. ثم نذكر وجها حَادي عشر يقتضي الدلالة بالخبر على بطلان خيار المجلس، عكس ما تدعيه الشافعية، وذلك مبني على ثلاث قواعد ...
(٦٢) وقد علق الشيخ ابن الشاط على هذا الوجه الحادي عشر وما تفرع عنه من القواعد الثلاث عند شهاب الدين القرافي بقوله: ما قاله في ذلك لا يصح، لأنه مبني على القاعدة الاولى وهي فاسدة، فكل ما بُنيَ عليها فاسد، والله أعلم. =

<<  <  ج: ص:  >  >>