للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بخلاف ما إذَا قلنا: إن الصرْفَ إنما ورد على الذمة. وأمّا الكراءُ فصعْبُ الفرقِ بينه وبين غيره. وغايته أن يُقَال فيه: إن الكراء يِرِدُ على المنافع المعدومة، فلو كان النقدانِ لا يتعينان لكان الكِراء أيضا في الذمة، فيشبه بيعَ الدين بالدين، وهو حرام. غير أن هذا الفرق مشكل بأنه يُجَوِّزُ الكراء على الذمة تصريحا، وتَعَيُّنْهُ بعد ذلك.

المسألة الثالثة: إذا جرى غيرُ النقدين مَجراهما كالفلوس وغيرها، قال سَنَدٌ: مَن أجْرى الفلوس مَجْرى النقدين في تحريم الربا جعلها كالنقدين، ومَنَعَ البدلَ في الصرف إذا وُجد بعضها رديئاً، وفيها ثلاثة أقوال: التحريم، والاباحة، والكراهة.

الصورة الثانية المستثْناةُ من المُشخَّصات: ما قاله ابن القاسم في المدونة، إذا كان الدينُ لأحَد فلا يجوز أن ياخذ فيه سكنى دارٍ، أو خدمةَ عبدٍ، أو ثمرةً يتأخر قبضها، وإن عَيَّن جميع ذلك، وأجْرَاه مَجْرى فسخ الدين في الدين، وهو أوْجَهُ. (٧٢) وقال أشهب: يجوز ذلك لأجْل التعيينِ، والمعيَّنُ لا يكون في الذمة (٧٣)، وما لا يكون في الذمة لا يكون دَيْنا، فليس ها هنا فسخُ الدين فيِ الدين، وهو أوْجَهُ.


(٧٢) وهو أوجه: ناقص في نسخة ع، ثابت في نسختي ح، وت.
(٧٣) هذه الفقرة، ابتداءً من قَوْلِ أشهب، ثابتة في نسختَي ع، وح، ناقصة في نسخة ت.
وهذه العبارة في النسختين ثابتة بالنفي هكذا: "والمعَيَّن لا يكون في الذمة". وعند القرافي بالنفى والإِثبات هكذا، بصيغة الحصر: "والْمُعيَّنُ لا يكون إلَّا في الذمة"، فهي تفيد الاثبات المؤكَدَ بالْحَصِر.
ولَعَلَّ الصواب على ما يظهر ما في نسختي الترتيب، بدليل العبارة الآتية بعدها، سواء عند البقوري أو القرافي، وهي "وما لا يكون في الذمة لا يكون ديْناً".
على أن عبارة: "والمعيّن لا يكون في الذمة" بالنفي تقدمت في القاعدة الثامنة من هذا الباب، والمقابِلة للفرق السابع والثمانين والمائة في الجواب الثاني عن حجة الشافعي في منْع البيع على الصفَة، على أساس القياس على السَّلَم في المعَيَّن وإن وُصف، وعلى أساس نهيه عليه السلام عن بيع المجهول. فلْيُتأمل ذلك وليُصَحَّحْ، والله الموفق للسداد والصواب.
وقد علق الشيخ ابن الشاط على نقل القرافي لكلام أشهب بقوله: قول أشهبَ في سكنى الدار الماخوذة في الديْن أوْجَهُ كما قال الشهاب (شهاب الدين القرافي) رحمهما الله جميعا.

<<  <  ج: ص:  >  >>