للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعن الثاني أن السِلَع وإن كانت ذواتِ أمثالٍ فهي مقاصِدُ، والنقدانِ وسيلتان لتحصيل المُثمَّنات، والمقاصدُ أشرف من الوسائل إجماعا، فبِشَرَفِهَا اعتُبِر تشخُّصُها (٦٨).

في القاعدة - لمالك على مذهبه - ثلاثُ مسائل:

المسألة الأولى: على مقتضَى مذهب مالك، أن خصوصَ النقدين لا يُمْلَكان البتَّةَ، بخلاف خصوصيات المثليات، ولهذا منْ غَصَب دينارا لآخَر، فليس يَسْتَحِقُّ عندهُ إلا دينارا. وأمّا خصوص ذلك الدينار فَلا، إلا أن يكون الدينار الذي أخِذ له حلالاً فأعطاه حراما، أو كان من ذهب طيّب "فأعطاه ذهبا لطيفا"، (٦٩) وإلا فالمستحَقُّ دائما هو الجِنس والمقدار دون خصوص ذلك الفرد. (٧٠)

المسألة الثانية: قال بعض الفقهاء: لا تتعين الدنانير والدراهم في مذهب مالك إلا في مسألتين: الصرف والكراء، وقال الشيخ أبو الوليد في المقدِّمات: النقدان يتعينان بالتعْيِين في الصرف عند مالك وجُمهور أصحابه، وإن لم تُعَيَّن تعينَت بالقبض وبالمفارقة، ولذلك جاز الرضا بالزائِف في الصرف. (٧١)

واعلَمْ أن استثناء هاتين المسألتين يُحْوِج لذكر الفرق بينهما وبين سائر المسائِل.

أما الصرف فيُمْكن أن يقال: إن قال مالك فيه بالتَّعْيين فلِضَيْقِ بَابِه وأمْر الشرع بسُرْعة القبضِ، وذلك مناسب للتعْيين، فيحْصُل مقصود القبْضِ ناجزاً،


(٦٨) علق الشيخ ابن الشاط على ما جاء عند القرافي في هذا القسم الثاني إلى هنا بقوله: قلت: الذي يقْوى عندي مذهبُ الشافعي، وأقوى حججه قياس. اهـ.
(٦٩) هذه الجملة بين مزدوجتين موجودة في نسختى ع، ح، ناقصة في نسخة ت، وهي أظهر وأنسبُ، وأوضح في المعنى.
(٧٠) عقب الفقيه المحقق ابن الشاط على ذلك بقوله. ما قاله القرافي في ذلك ضعيف، والصحيح في النظر لزوم رد الدينار المغصوب بعينه مادام قائما، أما إذا فات فله ردُّ غيره.
(٧١) عقب الشيخ ابن الشاط على ما جاء عند القرافي في هذه المسألة الثانية إلى آخرها بقوله. قلت: المسألة مبنية على عدم تعيين النقدين بالتعيين، فلذك أشكل الفرق بين مسألتي الصرف والكراء، والصحيحُ أن ذلك الاصل غير صحيح، فلا إشكال، والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>