للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غير أن المالكية خالفتْ هذا اللفظ في النقود فإنها لا تتعَيَّنُ وإن عينَت، وهي متعلقة بالذم، إلا أن يكون هناك ما يُعَينها كأن يكون حلالا طيبا لا يوجد مثلها، أوْ مِنْ سكَّةٍ طيبة لا يوجَدُ مثْلُها. وكذلك خالفت هذا إذا كان لأحدٍ دَيْنٌ على رجل فأخذ منه ما يتأخر قبضُه كدار يسكنها. قال ابن القاسم: لا يجوز ذلك لأنه فسخ دَين في دَين، وشهاب الدين رحمه الله ذكر فرقا بين الفسخ والانفساخ فقال: الفسخ قلبُ كل واحدٍ من العوضين لصاحبه، والانفساخ انقلاب كل واحد من العوضين لصاحبه، فالأول فعل المتعاقدين أو الحكَّام، والثاني صفة العوض. (١٣٨)

- قلت: ولْنَذْكُرْ مسائلَ هي مشكلة من كتاب البيوع، تكملةً لهذه القواعد (١٣٩):


= ثم قال القرافي بعد ذلك: وهذا الفرق بين هاتين القاعدتين يظهر أثره في المعاملات والصلوات والزكوات، فلا ينتقل الأداء إلى الذمة إلا إذا خرج وت، لأنه معَّينٌ بوقته، والقضاء ليس له وقت معيَّن يتعيّن حده بخروجه، فهو في الذمة. والقاعدةُ أن من شرط الانتقال إلى الذمة تعَذُّرَ المعين، كالزكاة مثَلا، ما دامتْ معينة بوجود نصابها لا تكون في الذمة، فإذا تلف النصاب بعذر لا يضمن نصيبَ الفقراء ولا ينتقل الواجبُ إلى الذمة، وكذا الصلاة، إذا تَعذر فيها الأداء بخروج وقتيْها: (الاختياري والضَروري) لعذر، لا يجب القضاء، وإن خرج لغير عذر ترتبتْ في الذمة ووجب القضاء، ولا يُعتَبَرُ في القضاء التمكنُ من الايقاع أولَ الوقت، خلافا للشافعي رحمه الله، كما لا يعْتَبُر في ضمان الزكاة تأخر الجائحة عنْ الزرع أو الثمرة بعدَ زمن الوجوب.
وقد علق الشيخ ابن الشاط على هذا الكلام عند القرافي بقوله: ما قاله هنا ليس بصحيح، فإنه لا فرق بين الأداءِ والقضاء في كون كل فهما في الذمة، فإن الافعال لا تتعيَّن إلا بالوقوع، وكلُّ فعْل لم يقَعْ لا يصح أنْ يكونَ معيَّنًا. وما قاله من أن الفعل الموقَّت تتعيَّنٌ بوقته لا يفيدُ المقصود، فإنه وإن كان معيَّنًا بوقته، (أي وقتهُ معيَّن) فهو غيرُ معيَّن بمكانه وسائر أحواله.
ثم قال ابن الشاط: وتسويته بين الصلاة والزكاة ليست بصحيحة، فإن الزكاة حق واجب في المال المعين، فالحق متعين، بمعنى أنه جزء لِمُعَين، وأما الصلاة فليست كذلك فإنها فعل، والأفعال لا تعيُّنَ لها ما لم تقع.
(١٣٨) عبارة القرافي: وهذا الفرق قد خالفْناه أيها المالكية في صورتين: فذكر صورة النَّقدين، وصورة الدَّين كما لخصهما البقوري هنا رحمه الله:
(١٣٩) هذه المسائل هي مما اضافه الشيخ البقوري إلى كتاب شيخه القرافي في الفروق، رحمهما الله.

<<  <  ج: ص:  >  >>