للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدُهما الأوقافُ والتبرعات على مذهب مالك ومن وافقه، فإن تبرعاتِ المِدْيانِ، المتأخرةَ عن تقرير (٢٣) الدين عليه، باطلة.

ثانيهما الإِرث، لا ميراث مع الدَّين اجماعا، فلا يورَثُ عنهم شيء. وما تركوه من المماليك لا ينفَّذ عتق المالِكِ الوارث فيهم، بل هُمْ أموال بيت المال مستحَقُّون بسبب الدَّين، وإنما يُنَفَّذ عتق المتوَلّى لبيت المال على الوجه الشرعي.

قال: فإن وقفوا رَبْعا على وجْه البِرِّ والمصالح العامة، ونَسَبُوهُ لأنفسهم فلا، لِأن المال الذي في بيت المال يعتقدون أنه لهم، كما يعتقد في ذلك بعض الملوك من كل وقْف، فلا يصحُّ، الَّا أن يعتقدوا أن المال للمسلمين، والوقف للمسلمين، أمّا أن المال لهم والوقف لهم فَلا، وهو كمَن وقف مال غيره على أنه له، لا يصح ذلك الوقف، كذلك هُنا.

المسألة الخامسة: المصْرُوف من الزكاة للمجاهد ليس أجْرةً، بل رزْقٌ خاصٌّ (٢٤) من مالٍ خاص. وهل يتعَيَّن صرفُه لهذه الجهة؟ يُخَرَّجُ على الخلاف بين الشافعية والمالكية، وليس بإجارة، وذالك بَيِّنٌ من حيث انه لا يُشترط فيه مِقدارٌ من العمل، ولا مدةٌ معلومة لتعْيِين العمل، ولا غيرُ ذلك من شروط الاجارة. ويصح الفرق بينه وبيْن أصْلِ الأرزاق أن أصْل الأرزاق يَصح أن يَبقى في بِيت المال


(٢٣) كذا في ح. وفي ت: تقرير، وفي ع. تأخر، وما في النسختَيْن الأوليين هو الصواب فيما يظهر ويقتضيه المعنى، والله أعلم. فلْيُتَأمل ذلك.
(٢٤) فائدة لغوية، يلاحظ أن بعض المتحدثين يخطئون في مثل هذه العبارة، فيأتي من حيث لا يشعر وينتبه، بالاسم الذي بعْدَ بل منصوبا، فيقول مثلا: ليسٍ أجْرَةً بل رزقا خاصا، وهو خطأ نحوى لغوي، لأنه ليس مدخولا للنَّفْي بلَيْسَ حتى يكونَ منصوبًا، وإنما هو كلام مُثْبَتٌ بعد حرف بلْ، وهي حرف للاضراب عما قبلها، وما قبلها كان نفيا، فيتعين أن يكون بعدها اثباتا، فيقال: فلان ليس حاضرا، بل غائب، أي بل هو غائب، لأنه إذا نُصب كان مدخولا للنفي، وكان منفيا كذلك، فينتهى الحضور والغياب، فماذا بقي بحد ذلك، وليست ذلك هو مقصودَ الكاتب أو التكلم، وهو تعبير يجب التنبه إليه حيث يصدر عن بعض الناس من حيث لا يشعرُ وأحيانًا بكفيةٍ متكررة لافتة للانتباه والانظار، مما يدل على أنه غيرُ واع بالقاعدة ولا بالمعنى المستفاد ذلك التعبير.

<<  <  ج: ص:  >  >>