للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْها قوله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ أحْيَى أرضا ميتة فهي له" (٨)، فجَعَل عليه السلام المِلْك له، والاصلُ عدمُ إبْطاله، واستصحابُ مِلْكِه. (٩)

الثاني قياس الإِحياء على البيع والهبةِ وسائر أسباب التمليك.

الثالث القياس على مَن تَمَلكَ لُقَطةً ثم ضاعت منه، فإنَّ عوْدها إلى حال الإِسقاط لا يُسقِط مِلْكَ متملِّكها.

والجواب عن الأول أن الحديث يدل لنا، بسَبب أن القاعدة أن ترتب الحكم على الوصفِ يدل على عِلّيّة ذلك الوصف لذلك الحكم، وقد رتَّب المِلك على وصف الإِحياء، فيكون الإِحياء سببَاَ له وعِلَّتَه، والحكم ينتفي لانتفاء علته، فَيَبْطُلُ المِلْك بهذا الحديث. (١٠)

قلت: مُطْلُقُ الإِحياء هو عِلَّةُ الحكم لا دَوامِه، وقد حصل وما انتفَى، والذي انتفى دوامُهُ، وليس هو العِلَّه. (١١)


(٨) رواه أصحاب السنن: أبو داود والنسائي والترمذى، وقال: إنه حسن. وفي معناه حديث عائشة رضي الله عنها: "من أعْمرَ أرضا ليست لأحد فهو أحقُّ"، رواهُ الامام البخاري رحمه الله. والارض الميتة. كما سبق، يراد بها في الحديث والفقه الارضُ التي ليستْ مِلْكا لأحد، ولا حريما لِملك معْمور بالبناء أو الزرع أوْ الغرس، وليست للمنفعة العامة كمحل اجتماع الناس في سُوقٍ ونحوه، والإِحياء او الإِعمار يكون بما جرى به العرف بين الناس من زرع وغرس وتحويط وبناء في الأرض إستصلاحها وتسويتها لذلك .. الخ.
(٩) قال ابن الشاط هنا: ما قاله القرافي حكاية أقوال واحتجاج، ولا كلام في ذلك.
(١٠) علق ابن الشاط على هذا الكلام بقوله: "أما القاعدتان فمسَلّمتان وصحيحتان، ولكن لا يلزَم ما قالهُ من بطلان هذا الحكم، لأن الإِحياء قد ثبت فترتب عليه مسبَّبُه ولم يَرْتفع الإِحياء، ولا يصح ارتفاعُه، لأن ذلك من باب ارتفاع الواقع وهو محال، وإنما مغزاه أن الإِحياء لم يستمرَّ، وذلك غير لازم في الأسباب كلها، فإن المِلْك المرتَّب على الشراء او على الارث او على الهبة لم تستمرَّ أسبابُهُ، فكان يلزم على قياس قوله، متَى غفل الانسان عن تجديد شراءِ مشتراه، أن ييطُل مِلْكُه عليه، وذلك باطل قطعا، فجوابه هذا غير صحيح.
(١١) قول: هذا التعقيب يبدو متقاربا ومتوافقا مع تعليق ابن الشاط. رحم الله الجميع، فليتأمل في ذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>