للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال شهاب الدين: سلَّمْنا ما قلتم، غيرَ أنَّ قوله عليه السلام: "فهي له" لفظ يقتضي مطلق المِلك، فإن "لَهُ" ليس من صِيغ العموم، بل دَليلٌ على أصل ثبوت المِلك، ونحن نقول بموجبه. فإذَن إنما ثَبَت مطلَقُ الملك زمنَ الإِحياء، وإنما يحصل مقصود الخصم أنْ لَوْ اقتضَى الحديثُ المِلكَ على وجْهِ الدوام، وليس كذلك (١٢).

قلت: إذا ثَبت المِلك له بتثبيتِ الشارع فأصلُهُ أن ييقى له حتى يدل دليل على زواله عنه.

قال شهاب الدين: وعن الثاني، الفرقُ بأن الإِحياء سبب فِعْل تُمْلَك به المباحاتُ، وهو سببٌ ضعيف لِوُرُودِه على غير ملكٍ سابق (١٣).

وعن الثالث أن تَملُّكَ الملتقِط ورَد على ما تقدمَ فيه المِلك، وتَقَرر، فكان تأثير السبب فيه أقوى. ويؤكّده أن الاسباب القولية ونحوها تَرفع مِلك الغير كالبيع ونحوه، فهي في غاية القوة. وأما الفعل بمجرده فليس له قوةُ رفع ملك الغير، بل ييْطل ذلك الفعل كمَن بَنَى في ملك غيره (١٤).

قلت: وكذا من باع مِلك غيره لا أثر له، والأظهر ما قاله سحنون.


(١٢) علق الشيخ ابن الشاط على هذا الكلام والاستدلال عند القرافي بقوله: ما قاله من أن الحديث لا يقتضي المِلك بِوصْفِ الدَّوام صحيح، ولكن هنا قاعدة شرعية، وهَي أن المِلك يدومُ بعد ثبوت سبَبه إلَا أن يلزمه ما يناقضه". وهذا التعقيب في مضمونه ومحتواه هو ما نجده كذلك في تعقيب الشيخ البقوري على كلام القرافي وتصويبه، رحم الله الجميع.
(١٣) قال ابن الشاط معلقا على هذا الجواب: ما قاله دعوى يقابَلُ بمثلها، بأن يقال:
إن الاسباب القولية هي الضعيفة، لورودها على مِلك سابق، فيتعارض المِلْكان: السابقُ واللاحق، وأما المملوك بالإِحياء فلم يَسْبقه ما يعارِضه فهو أقوى.
(١٤) زاد القرافي هنا قوله: "وبذلك ذهب أثره بذهابه، وهذا فقه حسن على القواعد، فلْيُتأمَّلْ، ومذهب الشافعى رضي الله عنه في بادئ الرأي أقوى وأظهر، وبهذه الباحث ظهر الفرق بين القاعدتين من جهة القوة والضعف كما تقدم بسْطُهُ وتقريره".
وقد علق المحقق ابن الشاط على هذا الكلام عند القرافي بقوله: جوابُه هنا مبني على دعواهُ قوة الاسباب القولية، فجوابه ما سبَق. وقد تبيَّن أن مذهب الشافعي أقوى على الاطلاق. والله تعالى أعلم".

<<  <  ج: ص:  >  >>