للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم إذا قلنا بالفَرْضية من حيث القاعدةُ التي هي الأمر بحفظ الأموال، فذلك فرض الكفاية.

وذكر الشافعي أنها تكون واجبة مرّةً، وذلك عند خوْف الضياع، وقد يكون ذلك مندوبا، وكذلك جاء عن أبي حنيفة، وأما ابن حنبل فكَرِه لقْطَها، لما في الالتقاط من التعرضِ لأكْل الحرام، وذلك كتولّي مال اليتيم.

قال شهاب الدين: ولمْ أرَ أحداً فصَّل وقسَّم اللقطة إلى الأحكام الخمسة إلّا أصحابَنَا. (١٨)


(١٨) ذكر شهاب الدين القرافي رحمه اللهُ في وسط هذا الفرق قاعدة تتعلق بالمقاصد الضرورية فِى الملل والأمم فقال:
(قاعدة): خمْسٌ اجتمعَتْ الأمَمُ مع الأمة المحمدية عليها وهي:
١ - ٢) وجوبُ حِفظ النُّفُوس والعقول، فتَحْرُمُ المسْكِراتُ بإجماع الشرائع، وإنما اختلفتْ في شرب القدْر الذي لا يُسْكِر، فَحُرِّم في هذه الأمة تحريمَ الوسائلِ، وسَداً لذريعة تَناوُل القدْر المسكر، وأبيحَ في غَيْرها من الشرائع لعدم المفسدة.
٣) وحفظ الأعراض، فيَحْرُم القذف وسائر السِّباب.
٤) ويجب حفظ الأنساب، فيَحْرم الزِنى في جميع الشرائع.
٥) والاموال يجب حفظها في جميع الشرائع، فتحْرُمُ السرقة ونحوها.
ويجب حفظ اللقطة عن الضياع لهذه القاعدة.
وقد تقدم بيان قاعدة فرض الكفاية وفرْض الأعيان والفرق بينهما بأن فرض الكفاية مالا تتكرر مصلحته بتكرره كإنقاذ الغريق، فتكرير فعل النزول بعد انتشاله لا تحصل به مصلحة بعد ذلك، وفَرض الأعيان هو ما تتكرر مصلحته بتكرره، كالصلوات الخمس، مصلحتها الإجلال والتعظيم لله تعالى، وهو يتكرر حصوله بتكررها، وحينئذ يظهر أن اللقطة من فروض الكفاية.
وقال الشافعي رحمه الله بالوجوب والندب كما قال بِهما مالكٌ رحمه الله، قياسا على الوديعة بجامع حفظ المال فيلزم النْدبُ، أوْ قياسا على إنقاذ المال الهالك فيلزم الوجوب. وقال أبو حنيفة: أخْذُها مندوب إلا عند خوف الضياع فيجب. وعند أحمد بن حنبل: الكراهة، لمَا في الالتقاط من تعريض نفسه لأكل الحرام، وتضييىع الواجب من التعريف، فكان تركه أولى كتولي مال اليتيم". أقول: وتجدر الاشاره والتنبية هنا إلى خطأ مطبعي في عبارة بالمقصد الأول من هذه القاعدة عند القرافي، وهي قوله: "وسد الذريعة يتناول القدْر المسكر".
والصَّوابُ فيما ظهر لِي بعد التأمل والامعان في العبارة، والله أعلم - أن تكون بصيغة المفعول لأجله هكذا: "وسداً لذريعة تناوُل القدر المسكر"، وبذلك يستقيم اللفظ والمعنى في هذه العبارة ويتناسقُ وينسجم مع ما قبله من الكلام، فياتي التعبير هكذا من أوله: "فحُرم في الأمَّة المحمدية

<<  <  ج: ص:  >  >>