للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذا لم يكونوا أمناءَ كان الأصْل عدَمَ الدفع، فهذا طالب واليمين عليه، لأنه مدّعىً عليه، والوصى مطلوبٌ، وهو مدّعِ.


= المسيب رحمه الله: من عرَف المدّعي والمدعى عليه فقد عرف وجْه القضاء. قال العلامة ابن فرحون في كتابه "التبصرة" عند كلامه على ما يتعلق ببيان المدعي من المدَعَى عليه.
"إعلم أن علم القضاء يدور على معرفة المدعى من المدعى عليه، لانه أصل مشكل، ولم يختلفوا في حكم ما لكل واحد منهما، وأن على المدعى البينةَ إذا أنكر الطلوب، وأن على المدعَى عليه اليمينَ إذا لم تَقُم البينة.
وقد اختلفت عبارات الفقهاء في تحديد المدعى والمدَّعى عليه.
فقال القراقي: المدعى من كان قولُه على خلاف أصل أو عُرْفٍ، والمدعى عليه من كان قوله على وفق أصل او عرف.
قال ابن شاس: المدعى من تجردت دعواه عن أمر يُصَدقه، أو كان أضعف المتداعيين أمرا في الدلالة على الصدق، أو اقترنَ بها ما يوهنها عادة، وذلك كالخارج عن معهود، والخالف لأصل وشبه ذلك. ومَن ترجح جانبه بشيء من ذلك فهو المدعَى عليه، وإذا ادعى أحدهما ما يوافق العرف، وادعى الآخرُ ما يخالفه، فالأول المدعَى عليه، والثاني هو المدعى. وكذلك كل من ادعى وفاء ما عليه، أو ردّ ما عليه من غير أمر يصدق دعواه فإنه مدع.
واختصر ذلك ابن الحاجب، فقال: المدعى من تجرد قوله عن مصدق، والمدعى عليه من ترجَّح بِمَعْهُودٍ أو أصل. قال ابن عبد السلام: والمعهود هو شهادة العرف، والأصل استصحاب الحال.
وقال أبو عمر ابن عبد البر: "إذا أشكل عليك المدعى من المدعَى عليه فواجب الاعتبار. فيه أن يُنظر، هل هو آخِذ أو دافع. وهل يطلُبُ استحقاق شيء على غيره أو ينفيه، فالطالب أبدا مدع، والدافع المنكِر مدعى عليه، فقِف على هذا الأصل". وقال غيره: "كل من يريد الأخذ، أو يطلب البراءة من شيء وجب عليه فهو مدع". وكلامهم وتحويمهم على شيء واحد، وهو أن المتمسك بالأصل هو المدعَى عليه، ومن أرادَ النقل عنه فهو المدعي، غير أنه يتعارض النظر في كثير من المسائل، مَن هو التمسك بالأصل من الخصمين إلى آخر الأمثلة التي ذكرها ابن فرحون لمثل هذا التعارض وأقوال العلماء فيها، فلْيرجع اليها من أراد التوسع أكثر. فقد رأيت أن آتي بهذه النقول وأذكر هذه الأقوال على ما فيها من الطول، لأهميتها في الموضوع، وفائدتها في مجال القضاء، وخاصة في وقتنا الحاضر.
وإلى ذلك يشير في اختصار وإيجازِ، الفقيهُ الجليل القاضى العلامة أبو بكر: محمد بن عاصم االغرناطي من علماء القرن التاسع الهجري في منظومته الشهيرة في فقه القضاء، والمسماة بـ (تحفة الحكام في نُكَتِ العقود والأحكام)
تمييزُ حالِ المدّعي والمدَّعى ... عليه جملةَ القضاءِ جمَعَا
فالمدَّعى مَنْ قَوْلُهُ مجرَّدُ ... من أَصل او عُرْفٍ بصِدْقٍ يَشْهَدُ
والمدَّعَى عليه مَن قد عضَدَا ... مَقَالَهُ عُرْف أو أَصْل شَهِدا

<<  <  ج: ص:  >  >>