للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإنما قلنا: اليمين عليه، لقولِهِ عليه السلام: "البينةُ على المدعي، واليمين على من أنكرَ" (١٤). ونظائر هذا كثير، (١٥) فيكون الطالب فيها مدعى عليه، ويعتمدُ -أبدا- الترجيحَ بالعوائد وظواهِر الاحوال والقرائن.


= وقيل: من يقولُ قد كان ادّعى ... ولم يكن لمن عليه يُدَّعى
والمدَّعى فيه، له شرْطانِ ... تَحَقّقُ الدعوى مع البيانِ
والمدّعي مطالَبٌ بالبينة ... وحالةُ العموم فيه بينة
والمدّعى عليه باليمين ... في عجز مدَّع عن التبيين
قال شراح هذه المنظومة هنا رحمهم الله: لابد في تجرد دعوى المدعي من التجردِ من الامرين معا: الأصلِ والعرف، أما إذا تجرد من احدهما فقط ووُجد الآخَر فهو مدَّعىً عليه.
ففي اختلاف الزوجين مثلا في متاع البيت يكون للمرأة المعتادُ للنساء وللرجال ما هو معتاد لهمٍ، لأن العرف يشهد للمرأة فيما هو معتاد للنساء، ويقَوي قولَها، فيكون الزوج مدعيا وهي مدعى عليها، فتاخذه بيمينها وبحَلِفِهَا عليه، وفي دعوى شخص دَينا على آخر فهو مدع، والمنكِر مدعىً عليه، لأن الاصل برآة الَذمة، وكمدعي مِلكية ليست في حوزه فإنه يكون مدعيا، والحائز مدعى عليه، لأن جانبه تقوَّى بالحيازة .. الخ، وهكذا.
وقيل: المدّعِي هو كلَّ من قال قد كان، فهو مدَّع، وكل من قال: لم يكُن، فهو مدَّعى عليه، وهو تعريف منتقض بدعوى المرأة على زوجها الحاضرِ أنه م ينفق عليها. وقيل: المدعى هو كل طالب، والمدعَى عليه هو كلّ مطلوب، وهو منقوض بكون اليتيم يطلب ماله بعد البلوغ والرشدِ، ويدَّعي الوصى أنه دفعه له، فالقول لليتيم، لأن الاصل، وهو بقاء المال تحت يد الوصى، يشهد له، فهو مدعي عليه، مع أنه طالب والآخر مطلوب، وعليه يبقى التَّعريفُ الاول هو الأسلم، إلى آخر ما قاله الفقهاء هنا. في كتب الفقه، ومؤلفات فقه القضاء.
(١٤) رواه البيهقي والطبراني بإسناد صحيح، وروى كل من الإِمام أحمد والامام مسلم عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لَو يُعْطَى الناسُ بدعواهم لا دَّعَى ناسٌ دماءَ رجال وأموالهم، ولكن اليمينُ على المدَّعَى عليه".
قلت: وهذا الحديث هو أصل طلب البينة من المدعى، وأساسُ إيجابها عليه، يورده ويذكره كثير من الفقهاء في مؤلفاتهم، ويعتمدونه في ذلك، وقد ورد لفظ هذا الحديث ونصه في رسالة القضاء المنسوبة للصحابي الجليل أمير المومنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، والتي وجَّهها إلي أبي موسى الاشعري رضي الله عنه، والتي ذكرها بعض العلماء في كتاباتهم عن حياة واجتهادات هذا الصحابي الجليل، وفي مقدمتهم الامام الجليل ابن قيم الجوزية، رحمه الله في كتابه "أعلام الموقِعين" والتي كانت موضوع تحقيق ودراسة من طرف أخينا الفقيه الجليل العلامة الفاضل المرحوم بكرم الله، الأستاذ أحمد سحنون، نال بها درجة الدكتورة في العلوم الاسلامية من دار الحديث الحسنية.
(١٥) كذا في ع، وفي ت: كثيرة بالتاء، والتذكير جاء على حد قوله تعالى في سورة التحريم {وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ}. سورة التحريم. الآية ٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>