للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن هذا الباب إذا تداعي: قزَّازٌ (١٦) ودبَّاغ جِلْدا، كان الدباغ مدَّعىً عليه، أو قاضِ وجُندي رُمْحاً كان الجندي مدَّعىَ عليه. وعلى هذا مسألة الزوجيْن إذا اختلفا في متاع البيت أنَّ القول قَوْلُ الرجل فيما يُشبِه قماش الرجُلِ، والقولُ قولُ المرأة فيما يُشبه قِماش النساء، وقد تقدم هذا وخلاف الشافعي لنا فيه.

وأما الأصل وحده من غيرِ ظاهر الحال ولا عُرْفٍ، كمن ادَّعَى على شخص دَيْنا أو غصبا أو جناية ونحوَها، فالأصل عدم هذه الأمور، ويكون القولُ في ذلك قول المطلوب، مع يمينه، لأن الأصل يُعَضده ويخالف الطالب، وهذا مجمع عليه، إنما الخلاف فيما قَبْلَه. (١٧)

وظهر لك، بهذا قولُ الأصحاب: إنَّ المدعِي هو أضعف المتداعيين سببا، والمدّعَى عليه هو أقوى المتداعييْنِ سبباً.

"تنبيه".

ما ذكزناه من ظاهر الحال ينتقض بما اجتمعت عليه الأمَّة، من أن الصالح الْبَرَّ، التَّقي، العظيمَ الشأنِ في العلم والدِين مثلَ أبي بكر وعمرَ بن الخطاب، لو ادعى على أفْسَقِ الناس وأرذَلِهِم لا يُصَدَّقُ فيه، وعليه البينةُ، وهُوَ مدَّعِ، والمطلوبُ مدَّعىً عليه، والقول قولهُ بيمينه، وعكْسُه لو ادعى الطَّالح على الصالح كان الامر كذلك. وبهذا احتج الشافعي علينا، وينقُض علينا الحدود المتقدمة المذكورة. (١٨)


(١٦) القزاز بصيغة المبالغة بائع القزِّ أو منتجُهُ، والقز هو الحرير، والصيغة يراد بها النسبة إلى الحرفة كنجار وحدَّاد ودباغ وغيرها. وعند القرافي: بَزازٌ بالباء، من البز وهو الثياب من الكتان أو القطن.
(١٧) عبارة القرافي أظهر وهي: "وإنما الخلاف في الظواهر المتقدمة".
(١٨) عبارة القرافي هنا أبْين وأوسع وهي: "وبهذا يحتج الشافعي علينا، ويجيب عما تقدم ذكره بذلك، وكما أن هذه الصور حجة للشافعي فهي نقض على قولنا: المدعي من خالف قولُه أصلا أو عرْفا، والمدعى عليه منِ وافق قوله اصلا أو عُرفا، فإن العرف في هذه الصورة شاهد، وكذلك الظاهر، وقد ألْغِيَا إجماعاً، فكان ذلك مبطلا للحدود المتقدمة ونقضاً على المذهب، فتأمل ذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>