للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وثالثها قول الأمناء في التَّلف، لَئِلَّا يَزْهَدَ الناسُ في قَبول الأمانات، فتفوت مصالحها المرتَّبة على حفظ الامانات.

ورابعها يُقْبَلُ قولُ الحكام في التجريح والتعديل وغيرها من الأحكام، لِئَلَّا تفوتَ المصالح المرتَّبة على الولاية للأحكام.

وخامسها قَبول قول الغاصِب في التلف ع يمينه لضرورة الحاجة، لِئَلَّا يُخَلَّدَ في الحَبْس.

قلت: التنبيه الأول قد نُجيبُ عن إشكاله بأن نقول: ظواهر الأحوال التي ذكرناهَا، جليَّةٌ بينةٌ، غير خائفين من تَبَدُّلِها. وما نُقِضَتْ به من دعوى البَرِّ التقى على الفاسق، يَطرُقُنا الشك في هذه الظواهر، فإن القُلوبَ بيَدِ الله يقلِّبها كيف يشاء (٢١)، فيكون تَقِياً، الزَّمنَ الطويل ثم ينعكس، وبالعكس. ومعرفة هذا من الأمر الخفى، فألْغِى هذا الظاهر هنا ولم يُعتَبَرْ، بخلاف الظواهر التي ذكرناها لا يَطوُقُها ما طرقَ هذا، فاعتُبِرت، وترتَّبَ الحكم عليها.

قلت: والتنبيه الثاني إنما الغى الغالبَ الذي هو صِدْقُ البرّ التقِي، لِما قلناه من أن القلوب بيد الله يُقَلبُها كيف يشاءُ، فليْسَ هذا الغالبُ بمعتبَر أصْلا كما قلنا في التنبيه الذي قبله. وكلام الفقهاء في الغالب الذي لا يطرقه مثل هذا كجِلدٍ يدعيه قزَازٌ ودَباغ، الغالب أنه للدباغ، ففى مثل هذا الغالب قولان.


(٢١) إشارة إلى حديث أخرجه الامام الترمذي رحمه الله، ونصُّه: قال شهر بن حوشب رضي الله عنه لأم سلمة رضي الله عها: يا أمَّ المومنين: ما - كان - أكثرُ دعاء رسول الله- صلى الله عليه وسلم - إذا كان عندك؟ قَالت: كان أكثَرَ دعائه: يا مقلبَ القلوب، ثَبّت قلبى على دينك. قلت: (أيْ أمّ سلمة): يا رسولَ الله، ما أكْثَرُ دعاءَكَ بهذا! ، قال: يا أمَّ سلَمة، إنه ليس آدميٌّ إلا وقلبه بين أصبعين من اصابع الله (أيْ امْره بين يدي الله)، فمن شاء أقام، ومن شاء أزاغ (أيْ من شاء اللهُ ثباته ثبَّته على الدين والايمان حتى في يختم لَه بالايمان والسعادة، وبِالحسْنى والزيادة، ) جعلنا الله منهم بفضله وكرمه، آمين.

<<  <  ج: ص:  >  >>