للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقولنا. "صحيحة" تحرزا من الباطلة، وقد تقدم تبْيينُ الدعوى الصحيحة. وقولنا: "مشبهة"، احترازا من التي يُكَذبها العرف، وقد تقدم أن الدعوى ثلاثة أقسام: ما يكذبها العرف، وما يشهد بها، وما لم يتعرض لها بكذب ولا غيره. فما شهد بكذبه كدعوى غريبٍ وديعةً عند جاره، فيُشرع التحليف هنا بغير شرْط، وباتفاق بين الأئمة في ذلك، وما شهد بأنها غير مشبهة كدعوى دَيْن لرجُل في حال صحته على من ليس متعَرضا (٤٤) للتجارة ولا للصنعة، فلا يُستحْلَف هذا الا بإثبات الخُلْطة. قال ابن القاسم: وهي أن يُسالفه أَو يبايعه مراراً وإن تَقَابَضَا من ذلك الثمن والسلعة. وقال سحنون: لا بدّ من البيع والشراء بين المتداعيين. وقال الشيخ أبو بكر الأبهري. هي أن تكون الدعوى تشبه أن يُدَّعى مثلها على المدعى عليه وإلا فلا يحلف، إلا أن يدعي المدعي بلطْخ. (٤٥) وقال الشافعي وأبو حنيفة: يحلف على كل تقدير.

لنَا ما راه سحنون أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "البينةُ على من ادعى واليمين على من أنكر"، إذا كانت بينهما خلطة، وزيادة العدل مقبولة، ولأنه بذلك قضى عليٌّ رضي الله عنه، ولم يُعْلم له مخالِفٌ من الصحابة في ذلك، (٤٦)، ولأن عمل أهل المدينة كذلك، ولولا ذلك لتجرأ السفهاء على ذوي الأقدار بتبذيلهم عند الحاكم


= الصفحات ما بين صفحة ٨٠ - ٨٩، فليس فيها حذف ونقص بقدر ما فيها زحلقة لبعض الصفحات عن: محلها، فلينتبه إلى ذلك أثناء الرجوع لتلك الطبعة.
(٤٤) كذا في ع، وفي مع، وت: مُعَرَّضا، وهو بمعنى ليس منتصبا لهما ولا مشتغلا بهما، ولم يعلق عليه بشيء، الشيخ ابن الشاط رحمه الله.
(٤٥) كذا في جميع النسخ الثلاثة المعتمدة في التحقيق والتصحيح. وزاد شهاب الدين القرافي هنا قوله: "وقال القاضي أبو الحسن بن القصَّار: لا بدَّ أن يكون المدعى عليه يشبه أن يعامل المدعى، فهذه أربعة أقوال في تفسير الخُلطة التي هي شرط في هذا القِسم، وقال الشافعي وأبو حنيفة: يحلف على كل تقدير. وبذلك يكون القرافي حكى أقوالا أربعة لا ثلاثة في تفسير الخلطة داخل المذهب، ثم ذكر قول الإمامين أبي حنيفة والشافعي فيما شهد العرف أنها دعوىَ غير مشبهة، بأنه يتوجب الحلف على صاحبها مطلقا، سواء على تقدير الخلطة وثبوتها أو عدمه.
(٤٦) وقال في ذلك: لا يُعْدَى الحاكم على الخصم إلا أن يعلم أن بينهما معاملة، ولم يُرْوَله مخالف، فكان ذلك إجماعاً.

<<  <  ج: ص:  >  >>