للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال شهاب الدين: وعن الثاني أن الجَلدَ فرع ترتيب الفسوق، ظاهرٌ ظهوراً ضعيفاً، (٦٣) لجواز رجوع البينة أو تصديق المقذوف، فإذا أقيم الجلد قوِي الظهور، وحينئذ نقول: إنّ مُدْرَكَ رَدِّ الشهادات إنما هو الظهور القوي لأنه المُجْمَعُ عليه، والأصل بقاء العدالة السابقة.

قلت: الحق أن الجَلْد والفسق ليس أحدهما فرعاً للآخَر، ولا الآخرُ أصْلاً له، بل هما فرعانِ للقذف ولَازِمانِ له، وكذا اقتضت الآية كما تقدم.

المسألة الرابعة.

قال الباجى. قال القاضى أبو إسحاق والشافعي: لابُدّ في توبة القاذف من تكذيبه لنفسه، لأنَّا قضينا بتكذيبه في الظاهر لَمَّا فسَّقْنَاه، فلو لم يُكَذب نفْسه لكان مُصِراً على الكذب الذي فسَّقناه لأجْله.

وعليه إشْكالان: أحدهما أنه قد يكون صادقا في قذفه، فتكذيبه لنفسه كذِبٌ، فكيف يُشترَطُ المعصية في التوبة؟ وثانيهما أنه إنا كان كاذبا في قذفه فهو فاسق، أو صادقا فهو عاص، لأن تعيير الزاني بزناه معصية، فكيف ينفعه تكذيبُهُ نفسَه مع كونه عاصياً بكل حال؟ .

والجواب عن الأول أن الكذِبَ للحاجة جائز، ككذِب الرجل لإصلاحه بين الناس، (٦٤) وهذا التكذيب فيه مصلحة السَّترِ على المقذوف، وتقليلُ الأذِيَّة، ورفْعُ الفضيحة، وقَبولُ شهادته في نفسه، وعَوْدُه إلى حالة الكمال.


(٦٣) كذا في ع وح. وفي ت: وعن الثاني أنْ الجَلْد فرع، فَتَرْتيب الفسق ظاهر ظهورا ضعيفا، وهذه عبارة أكثر سلامة ووضوحا في الذهن والمعنى، وعند القرافي "أن الجلد فرع ثبوت الفسقِ ظاهر ظهورا ضعيفا، وتعقيب الشيخ البقوري على شيخه القرافي أوضح هذه المسألة، وزادَها بياناً ووضوحاً، فليتأمل، والله أعلم.
(٦٤) من أم كلثوم بنتِ عُقْبة رضي الله عنها قالت: ما سمعتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يرخِص في شيء من الكذب إلا في ثلاث، كان يقول: لا أعُدُّه كاذبا. الرَّجلُ يصلح بين الناس، يقول القوْلَ ولا يُريد به إلا الإِصلاح، والرَّجل يقول في الحرب، والرَّجل يُحَدَّثُ امرأته والمرأة تحدث زوْجَها". رواه أبو داود وغيره من ائمة الحديث رحمهم الله.

<<  <  ج: ص:  >  >>