للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولنا قوله تعالى: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ}، (٨١) ورِضَى الحاكِم بهم فرعُ معرفتِهِ بهم، وبالقياس على الحدود، وبالقياس على طلب الخصم للعدالة.

احتجوا بقوله تعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ}، ولم تُشترَط العدالة.

وقَبِلَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - شهادة الأعرابي بعْدَ أن قال: أتشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، فلم يَعتبر غيْرَ الإِسلام، (٨٢)، ولأنه لَوْ أسلمَ كافر بحضرتنا جاز قَبُوله، مع أنه لا يتحقق منه إلا الإِسلام، ولأن البحث لا يؤدي إلى تيقُّن العدالة، وإذا كان المقصودُ الظاهرَ فالإِسلام كافٍ في ذلك لأنه أتَمُّ وازِعٍ.


(٨١) سورة البقرة: الآية ٢٨٢ وهي من أطول الآيات القرآنية، منها قوله تعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا}.
(٨٢) إشارة إلى حديث ثبوت شهر الصيام برؤية المسلم الواحد، وهو مروي عن عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: "جاء أعرابي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: إني رأيت الهلال، فقال: "أتشهد أن لا إله إلا الله؟ قال: نعم، قال: أتشهد أن محمدا رسول الله؟ قال: نعم، قال - صلى الله عليه وسلم -: يا بلال: "أذِن في الناس فليصوموا". رواه أصحاب السنن والحاكم وابن حبان.
وهو حديث أخذ به واعتمدَه بعض الصحابة والتابعين وبَعْضُ الائمةِ المجتهدين. وأخذ الإِمام مالك وبعضُ الائمة الأعلام المجتهدين كالليث والثَّورى والاوزاعي باعماد حديث الشاهديْنِ في ثبوتِ الهلال، وهو ما رواه أبو داود، والدارقطني وصححه، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: عهد إلينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نَنسُكَ للرؤية، فإن لم نره وشهد شاهدَا عدلٍ نسكْنا بشهادتهما (أي تَعَبَّدْنَا الله وعَبَدْنَاه بالشروع في العبادة عند ثبوت الرؤية بهما) في شهر الصيام والجج, وغيرهما. وكذلك حديث أبي داود، وأحمد بسند صحيح عن رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: اختلَف الناس في آخر يوم من رمضان، فقدِمَ أعربيان، فشهِدا عند النبي - صلى الله عليه وسلم - بالله لَأهَلَّا الهلال أمسِ عشيَّة، فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الناس أن يفطروا ويَرُوحُوا إلى مُصَلَّاهم. فثُبُوتُ الشهر بالشاهدين عند النبي - صلى الله عليه وسلم - في حياته أو خليفته الصحابي بعده، أو الإِمام السلطان بعده، يوجب بداية الصيام في رمضان، والإِفطارَ في العيد، وهذا مُعْتَمد الإِمام مالك، ومذهبه في الرؤية، وهو ما عبَّرَ عنه الشيخ أبو الضياء. خليل بن اسحاق المالكي رحمه الله حيث قال في مختَصره: "بابٌ، يثْبتُ رمضانُ بكمالِ شعبانَ أو برؤية عدلين ولَوْ بصَحْوٍ، أو جماعةٍ مستفيضة" ... الخ. والجماعة المستفيضة هي التي لا يتواطأ أفرادها على الكذب عادة، كل واحد منهم يقول: رأيت الهلال بنفسي ... الخ".

<<  <  ج: ص:  >  >>