للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالإِنكار، ولأن صاحب اليد إذا لم يُقِم الطالبُ ببيِّنةً لا تُسمعُ بينته، وإذا لم تُسْمَعْ

بينته في هذه الحالة، وهي أحسن حالتيه، ففى الأخْرى أحْرَى وأوْلَى. (١٤٢).

وأما الأعدلية فمنع أبو حنيفة والشافعي وأحمد رضي الله عنهم الترجيحَ بها.

لنا أن البينة إِنما اعْتُبِرَت، لما تثيره من الظن، والظن في الأعْدَل أقوى، فيقدَّم كأخبار الآحاد إذا رجَح أحدهما، ولأن الاحتياط في الشهادة مطلوب أكثر مما هو في الرواية، فوجَبَ أن لا يُعْدل عن الأعْدلِ، قياسا على الخبر، وبطريق الأولى والأحْرى.

إحتجوا بأنّ الشهادة مُقَدَّرَةٌ في الشرع، فلا تختلف بالزيادة، كالدِّية لا تختلف بزيادة الماخوذ فيه، فَدِيَةُ الصغير والحقير كدِية الشريف العالم العظيم.

وثانيها أن الجَمْعَ العظيم من الفَسَقَة يُحَصِّل الظن أكثر من الشاهدين، وهو غير معتَبر، فَعُلِم أنها تَعَبُّدٌ لا يَدْخلها الاجتهاد.

وثالثها أنها لو اعْتُبِرَت زيادهَ العدالة لاعتُبِر زيادة العدد، وذلك باطل، فالآخَرُ مثلُه.

والجوابُ عن الأول أن وصْفَ العدالة مطلوبٌ في الشهادة، وهو موكولٌ إلى اجتهادنا، وهو يتزايد في نفسه، فما رجَّحْنا إلا في موطن اجتهاد لا موضعِ تقدير.

وعن الثاني أنَّا لا ندَّعي أن الظن كيف كان يُعتبر، بل نَدَّعي أن مزيد الظن بعد حصول أصْل معتبرِ، معْتَبرٌ, كما أن قرائنَ الأحوالِ لا تثْبُت بهَا الأحكام والفتاوَى، وإن حصَّلَتْ ظنا أكثر من البينات والأقيسة وأخبار الآحاد، لأن الشرع لم يجْعَلها مُدْرَكاً للفتيا والقضاء، ولمَّا جعل الأخبارَ والأقْيسة مدْرَكا


(١٤٢) عبارة القرافي: (وهو، أي حديث "البينةُ على المدعي واليمين على من أنكر")، يقتضي صنفين: مدعيا والبينة حجته، ومدّعى عليه واليمين حجته. فبينته غير مشروعة فلا تُسمع، كما أن اليمين في الجهة الاخرى لا تفيد شيئا.

<<  <  ج: ص:  >  >>