للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم وقع الخلاف في هذه الترجيحات بين العلماء، فعندنا يقدَّم صاحب اليد عند التساوي، أو معَ البينة التي هي أعْدَلُ، كانت الدعوى أو الشهادة بمطلق المِلك أو يضاف إلى سبب، نحو ولدتْ الدابة عندي في مِلْكِي، كان السبب المضاف إليه المِلكُ يتكرر كغرس النخل أو لا. وقال الشافعي به.

وقال أبو حنيفة: تقدَّمُ بينة الخارج إن ادعى مطلق الملك، فإن كان مضافا إلى سبب يتكرر فادَّعاهُ كلٌّ منهما فكذلك، أو لا يتكرر كالولادة، وادَّعياه وشهدت البينة به، فقالت كلُّ بينة: ولِد عَلَى مِلكه, قدمت بينة صاحب الْيَد. وقال ابن حنبل: الخارج أولى، ولا تُقْبَلُ بينة صاحب اليد أصْلاً.

لَنا على أحمد ما رُوي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أنه تحاكَمَ إليه رجُلَان في دابة، وأقام كل واحد منهما بينةً أنَّها لَه، فقضَى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لصاحب اليد، (١٤٠ م) ولأن اليد ترجحه كما لوْ لَمْ تكن بينة. ولنا على أَبي حنيفة ما تقدَّمَ، والقياسُ على المضاف إلى سبب لا يتكرر.

احتجوا بوجوه (١٤١): الأول قوله عليه السلام: "البينة على من ادَّعى واليمين على من أنْكر". فالحديث جَعَل للمدَّعي الاحتجاج بالبينة، ولِلمدعَى عليه


(١٤٠ م) أورده السيد سابق في كتابه فقه السنة، عَنْ جابرٍ رضي الله عنه وقال: أخرجه البيهقي، ولم يضعِّفْ إسناده.
(١٤١) عدَّها القرافي أربعة، وأجاب عنها، واقتصر البقوري في هذا الترتيب والاختصار على الأول والثالث منها دون الإجابة عنها.
واستكمالا لذكر هذه الوجوه أذكر الثاني فها وهو: أنه لما تعارضت البينتان في سبب لا يتكرر كالولادة، شهدت هذه بالولادة والأخرى بالولادة تعيَّن كذبهما فسقطا، فبقيت اليد، فلم يحكم له بالبينة، فأما ما يتكرر ولم يتعيَّن الكذب فلم تفد بينته إلا ما أفادته يدُه فسقطت، لعدم الفائدة.
والوجه الرابع أنه إنما أعملنا يينته في صورة النتاج، لأن دعواه أفادت الولادة ولم تُفدها يده، وشهدت البينة بذلك، فأفادت البينة غير ما أفادت اليد فقُبِلتْ. وانظر أجوبتها عند القرافي.

<<  <  ج: ص:  >  >>