للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالأول: غالب الولد أن يوضَع لِتِسْعَةِ أشهر، فإذا جاء بعْد عشر سنين من امرأة طلقها زوجها، اعتُبر النادِر، ستْراً على العِباد، ولمْ يُحكَم بالغالب لمَا في ذلك من إثباتِ الزنى على المرأة.

الثاني: إذا تزوجت فجاءت بوَلَدٍ لستة أشهُرٍ، احتمل أن يكون للزوج المطَلِّق وللثاني (١٤٥)، والغالب أنه للزوج الأول، ولكنه اعتبَرَ الشارع أيضًا النادر، لحصول الستر وصوْن العِرْض.

الثالث: نَدَب الشرع للنكاح، رجاءَ أن يَخْرُجَ ولدٌ مسلم صالح من بين الزوجين، والغالبُ: الجهلُ بالله، والإِقدامُ على المعاصي، ومقتضَىْ هذا الغالب أن يُنْهَى عن النكاح، ولا سيما على مذهب من يرى أن من لم يعرف الله بالرهان فهو كافر، ولكنه حُكِمَ بالنادر، وغُلِّب على الغالب. (١٤٦)


(١٤٥) عبارة شهاب الدين القرافي رحمه الله: جاز أن يكونَ مِنْ وطء قبل العقد وهو الغالب أو من وطء بعْده وهو النادر، فإن غالب الأجنة لا توضع إلا لتسعة أشهر، وإنما يوضَع في الستة سِقطاً في الغالب، فألغى الشارِعُ حكم الغالب وأثبت حكم النادر، وجعله بعد العقد، لطفا بالعباد، لحصول الستر عليهم وصوْنِ أعراضهم.
(١٤٦) فألغى الشرع هنا حكم الغالب واعتبر حكم النادر، وترجيحا لقليل الإِيمان على كثير الكفر، والمعاصي، تعظيما لحسنات الخلق على سيئاتهم، رحمةً بهم.
قلت: وبغض النظر عما لعلماء التوحيد وأصول الفقه من اختلاف وكلام في ايمان المقلد، فلَعلَّ القول باعتماد البرهان المنطقي والدليل العقلى كأساس لكل مسلم في معرفة الله والإِيمان به يكون مبالَغا فيه، فإيمان المسلم المقلد لآبائه وأجداده المسلمين في التمسك بالاسلام، والناشئ على ذلك عقيدة وشريعة، يدخل في إيمان الفطرة التي فطر الله الناس عليها، والمستنِدة في الإسلام إلى هَدْي القرآن الكريم وسنة النبي محمد خاتم الانبياء والمرسلين، وإلى النظر والتأمل الفطري في الكون والانسان وسائِرِ خلوقات الله رب العالمين، فينشأ عن هذا الإيمان ما ينشأ عنه من المعرفة واليقين بالله، وسلامة التوحيد وصححة الاعتقاد في الله رب العالمين، ومن التزام أحكامه وشرعه الحكيم، والعبادة والطاعة والخضوع لله أرْحم الراحمين، وأحكم الحاكمين، كما هو شأن عامة المسلمين.
فقد ثبت أن امرأة سألها النبي - صلى الله عليه وسلم - قائلا لها: أين الله؟ فأشارت بأصبعها إلى السماء. ونصُّ الحديث كما جاء في موطأ الإِمام مالك في ترجمة (ما يجوز من العتق في الرقاب الواجبة)، عن عمر بن الحكم أنه قال: أتيتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت: يا رسول الله، إن جارية لي كانت ترعى غنما، فجئتُها وقد فقدتْ شاة من الغَنَم، فسألتها عنها، فقالت: أكلها الذئب فأسِفْتُ عليها، كنتُ من ابن آدم، فلطمت وجهها، وعليَّ رقبةٌ، أفأعتقها؟
فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أين الله؟ : فقالت: في السماء، فقال: مَنْ أنا؟ فقالت: أنت رسول الله، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أعتِقها =

<<  <  ج: ص:  >  >>