للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

احتج أبو حنيفة بأن قال: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا عِتْقَ إلا فيما يملك ابن آدم" (١٦٤) والمريض مالكٌ لثلث كل عبد، فينفذ عتقه. فيه، والحديث الذي ذكرتُم واقعة عيْنٍ لا عمومٌ فيها، ولأن قوله: "اثنين"، يحتمل شائعيْن لا مُعَيَّنَيْن، ويؤكده أن العادة تقتضي اختلافَ قِيم العبيد. وأيضا فالقرعة من الميْسِر، وأيضا فإنه لو أوصى بثلث كل واحد صحَّ، فينفَّذ ها هنا، قياسا على ذلك. وأيضا لو باع ثلث العبيد جاز، فالعتْقُ أوْلى.

والجواب أنَّا نقول (١٦٤ م): سلَّمنا أن العتق لا يقع إلا فيما يَملك، ولا حُجَّة لك بالحديث علي المَطْلَب، فإن العتق وقعَ فيما يَمْلك على قوْلنا. وعلىَ صحة قولك: إنها قضية عيْن، قلنا: قال عليه السلام: "حكْمي على الواحد حكمي على الجماعة" (١٦٥)، وما ذكزته من احتمال الشياع باطل، إذْ القرعة لا معنى لها مع الشِّياع، والاتفاق في القيمة شائع كثير، لا سيَمَا وخْشُ الرقيق.

وعن الثاني أن الميْسِرَ هو القمار، وتمييز الحقوق ليس منه في شيء.


(١٦٤) ونصُّه بتمامه: "ل اطلاق إلا فيما تملك، ولا عِتق إلا فيما تملك، ولا بيْعَ إلا فيما تملك، ولا وفاءَ نذْر إلا فيما تملك". رواه ابو داود والترمذي عن عمرو بن شعيب عن ابيه عن جده عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ونقله عنهم الشيخ منصور كل ناصف في كتابه الشهُير: (التاج الجامع للأصول في أحاديث الرسول - صلى الله عليه وسلم -). جـ ٢. ص ٣٣٨.
(١٦٤ م) استدل القرافي هنا لمشروعية القرعة وجوازها عند المالكية بستة وجوه، اقتصر منها البقوري على اثنين، منصوص عليهما في الحديث الصحيح.
ومنها إجماع التابعين رضي الله عنهم على ذلك، أمثال عمر بن عبد العزيز، وخارجة بن زيد، أُبانُ بن عثمان وابن سيرين وغيرهُم، ولم يخالفهم من عصرهم أحد.
ومنها أن أبا حنيفة قال بِها في قسمة الارض لعدم المرجح، وفاقا للمالكية، وذلك موجود هنا، فثبت قياسا عليه.
واحتج الحنفية لقولهم بستة أدلة ووجوه كذلك، أجاب القرافي رحمه الله عنها واحداً واحدا في الأصل كتابه الفروق, كما ذكرها البقوري هنا في هذا الترتيب والاختصار. رحم الله الجميع.
(١٦٥) اخرجه الإِمام السيوطي في كتابه: الدرر المنتثرة في الأحاديث المشهرة، والعجلوني في كتابه كشف الحفاء. وكذا في كتاب: "الأسرار المرفوعة"، لمؤلفه الشيخ علي القاري رحمه الله. وقال فيه العلامة الزرقاني في كتابه مختصر المقاصد الحسَنة "لا أصل له، وإن صح معناه"، فليُصَحَّح وليحقق ذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>