للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إعلم أن المتَّبَعَ في هذا، العُرْفُ، فما كان العُرفُ عليه في ذلك الوقت عُمل عليه، ولا يجوز غيره، فإن كان العرف على شيء ثم صار لشيءٍ آخرَ، صِيرَ لِمَا صار إليه، والعُرْف الآن الذي لا يُعْرَف أنه انتقل أن يقول الشاهد: أشهَدُ عندك أيها القاضي بكذا، فهو إنشاء الشهادة، ولو قال: شهدتُّ، كان خبراً كذباً، وكذلك لو قال: أنا شاهِدٌ لا يكون إنشاءً للشهادة، فليس في العرف إلا المضارع، بخلاف البيع، فإن الموضوع للانشاء فيه، الماضي لا غيرُ، فلا يكون المضارع ولا اسْمُ الفاعل له، وأمّا االطلاق فيقع بالماضي وباسم الفاعل، ولا يقع بالمضارع، وهذه مُدْرَكُها العُرْفُ كما قدّمنا.

ثم إن الشاهد لو أوْقع لفظ الخبر مكان لفظ أشهدُ، ما صحّ ولا جاز، سواء أتَى بالماضي, كأنْ يقول: اخبرتك, أو بالمضارع كأن يقول: أُخْبُرك بأني أشهد بكذا، فإنه وعْدٌ بأن يشهد، لا أنهُ شهد، وكذلك اسم الفاعل، كأن يقول: أنَا مُخْبِرك أيها القاضي بكذا، وكذلك إذا قال القاضي للشاهد: بأيِّ شئٍ تَشهد؟ قال: حضرت عند فلان فسمعته يُقرُّ بكذا، وأشهدَني على نفسه بكذا، أو شهدت بينهما بصدور البيع، أو غير ذلك من العقود، لا يكون هذا أداءَ شهادةٍ، ولا يجوز للحاكم الاعتمادُ عليه، بسبب أن هذا مخْبِرٌ عن أمْرٍ تقدَّم، فيحتمل أن يكون قد اطلع بعد ذلك على ما منعَ من الشهادة به من فسخ أو إقالة أو حدوث ريبَةٍ للشاهد تمنَعُ الأداء. (١٦٨)


(١٦٨) عقب ابن الشاط على كلام القرافي "في أن القائل أنا مخبرك أيها القاضي بكذا فإنه إخبار عن اتصافه بالخبر للقاضي، وذلك لم يقع في الحال إنما وقع الإِخبار عن هذا الَخبر، فظهر أن الخبر كيفما تصرف لا يجوز الاعتمادُ عليه. وكذلك قول الحاكم للشاهد: بأي شيء تشهد؟ ، فقال: حضرت عند فلان فسمعته يُقِر بكذا، أو أشهدني على نفسه بكذا" ... الخ.
قال ابن الشاط هنا: هذا كلام من لا يفهم مقتضَي الكلام، كيف لا يكون من يقول للقاضي: أنا اخبرك بأن لزيد عند عَمْرٍو دينارا، مخبِراً للقاضي بذلك، بل يكون مخبرا بأنه مخبر، وهل العبارةُ عن إخباره عن الخبر إلَّا عيْنُ تلك، وهي أنا مخبرك بأني مخبرك لا أنا مخبركَ بكذا، هذا كله تخليط لا يفوه به من يفهم شيئا من مضمنات الالفاظ ومقتضى مَسَاقها. ثم قال ابن الشاط: وقول القرافي: "فظهر أن الخبَرَ كيفما تصرف لا يجوز الاعتماد عليه"، لا يصح، فَلَمْ يظهر ما قاله اصلا، ولا يصح بوجه ولا حال. =

<<  <  ج: ص:  >  >>