للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالعباداتِ أسبابُهَا، فإذا شهد بهلال رمضان شاهدٌ واحدٌ، فأثبتَه حامك شافعي، ونادَى في المدينة بالصوم، لَا يلزَم ذلك المالكيّ، لأن ذلك فتوى، ليس بحكْم. (١٧٤)، وكذلك الأمر في جميع الاسباب للعبادات والعادات، ولا في موانعها ولا في شروطها، فتصح المخالفة بعد ذلك للمخالِفِ. (١٧٥)

وبهذا يظهر أن الإِمام إو قال: لا تقيموا الجمعة إلا بإذني لم يكن ذلك حكماً، وإن كانت المسألة قد اختُلِف فيها، هل تفتقر الجمعة إلى إذن السلطان أم لا؟ وللناس أن يقيموها بغير إذن الإِمام، إلا أن يكون في ذلك صورةُ المُشَاقَّة، فيمتنع إقامتها إلا باذنه، لأجْل أنه موطن خلاف اتصل به حكْمُ حاكمٍ، وقد قاله بعض الفقهاء، وإيس بصحيح، (١٧٦) بل حكم الحاكم إنما يؤثر إذا أنشأه في مسألةِ اجتهادٍ تتقاربُ فيها المَدارك لأجل مصلحة دنيوية. فاشتراطُ قيد الانشاء، احترازٌ من حكمه في مواضع الإجماع، فإن ذلك إخبارٌ وتنفيذٌ مَحْضٌ، (١٧٧) وفي مواضع الخلاف ينشئ حكما، وهو إلزام أحد القولين اللذين قيل بهما في المسألة، (١٧٨) ويكون إنشاؤه إخباراً خاصا عن الله تعالى في تلك الصورة ومن ذلك الباب، (١٧٩)،


(١٧٤) قال ابن الشاط هنا: فيما قاله القرافي في ذلك نظرٌ، إذْ لقائل أن يقول: إنه حكْمٌ يلزم جميع أهل البلد.
(١٧٥) قال ابن الشاط: لقائل أن يقول: إنه يَلزَمُ غيرَ ذلك الحاكم ممن يخالف مذهبه مذهبه ما بُنى على ذلك الثبوت, كما إذا ثبت عنده أن الدَّين لا يُسقط الزكاة، وأراد أخذها ممن يخالف مذهبُه مذهبه، فإنه لا يسوغ له الامتناع من دفعها له، وكذلك ما أشبه ذلك.
(١٧٦) قال ابن الشاط: بل هو صحيح كما قال ذلك الفقيه، لأنه حكمُ حاكم اتصلَ بأمرٍ مختلَف فيه، فيتعين الوقوف عند حكمه، والله أعلم. قلت: وقد تقدم الكلام على هذه المسألة في الجزء الاول من هذا الكتاب (ترتيب الفروق).
(١٧٧) عقب ابن الشاط على هذا بقوله: قلت: ما قاله من أنه إخبار، ليس بصحيح، بل هو تنفيذ محضٌ، وهو الحكمُ بعينه، إذ لا معنى للحكم إلا التنفيذ. وممّا يوضِح ذلك أنه لو أن حاكما ثبت عنده بوجه الثبوت أن لزيد عند عمرو مائةَ دينار، فأمره أن يعطيه إياها، أن ذلك الامر لا يصح بوجهٍ أن يكون إخبارا، وهذا الموضع وما اشبهه، هو من مواقع الإجماع، فلا يصح قوله: "إن مواقع الاجماع لا يدخلها الحكم، بل الإخبار" بوجه أصلا.
(١٧٨) قال ابن الشاط: إلزامه أَحَد القولين هو تنفيذ الحكم، وإمضاؤه بعينه.
(١٧٩) قال ابن الشاط: كيف يكون إنشاء ومع ذلك يكون خبرا، وقد تقدَّمَ له الفرق بين الانشاء والخبر، هذا ما لا يصح بوجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>