للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيكون أخصَّ من الدليل العام المخالف لذلك الحكم، فيرجع إليه، ويخصص ذلك العام به، ويبقى ذلك العام معمولا به في تلك الصورة التي حُكِم بها، وهذا هو معنى الإِنشاء. (١٨٠)

وقُلْنا في مسألة اجتهادية: احترازاً من مواضع الإِجماع، فإن الحكْم هنالك ثابت بالاجماع، فيتعذر فيه الإِنشاء، لتعينه وثبوتِهِ إجماعا. (١٨١)

وقولنا: تتفاوت مداركها، احترازاً من الخلاف الشاذ الصادر عن المُدْرَك الضعيف، فإنه لا يرفع الخلاف، بل يُنقَض في نفسِهِ إذا حَكم بالفتوى المبْنيَّة على الضعيف. (١٨٢)


(١٨٠) عقب ابن الشاط على كلام القرافي هنا، بأن الله جعل انشاء الحاكم في مواطن الخلاف نصاً ورَدَ من قِبَلِهِ في خصوص تلك الصورة، إِلى قوله: فهذا هو معنى الانشاء"، فقال (اى ابن الشاط): لا كلام أشدُّ فسادا من كلامه في هذا الفصل، كيف يكون إنشاءُ الحاكم الحكمَ نصا خاصا من قِبَل الله تعالى، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: إذا اجتهد أحدكم فاصاب، فله أجَران، وإن اجتهد فأخطأ فله اجر واحد"، كيف يصح الخطأ فيما فيه النص من قبل الله تعالى؟ ! هذا كلامَ بيّن الخطأ بلا شك فيه، وما تَخيل هو أَو غيره لا يصح، ولا حاجة اليه، وإنما هو يُعَيِّن في القَضية المعيَّنة أَحد القولين أو الاقوال إذا اتصل به حكم الحاكم، لما في ذلك من المصلحة في نفوذ الحُكم وثباته، ولما فيه من المفسدة لو لم ينفذ، لا لما قاله منْ انه إنشاء من الحاكم، موضوع كنص من قِبَل الله تعالى، والله أعلم.
قلت: يظهر أن ما جاء في آخر كلام ابن الشاط من هذا التعقيب هو الذي قصده القرافي وهدف إليه، من حيث إن حكم الحاكم يرفع الخلاف ويحقق المصلحة ويدفع المفسدة، فيكون كنص لا يبقى معه اجتهاد للمخالف، وبذلك يكون لكلام القرافي وجه من الصواب وحظ من النظر، ولا يكون أشد فساداً كما جاء عند ابن الشاط، والله أعلم، فلْيتأمَّل في ذلك ولْيُحَقِّقْ.
(١٨١) قال ابن الشاط هنا: هذا كلام ساقط أيضا. وكما أن الحكم في مواقع الاجماع ثابت بالإجماع فالحكم في مواقع الخلاف ثابت بالخلاف، فعلى القول بالتصويب كلاهما حق وحكمُ الله تعالى، وعلى القول بعدم التصويب أحدهما حق وحكمُ الله تعالى، ولكن ثبت العذر للمكلف في ذلك. وما أوقعه فيما وقع فيه إلا الاشتراك الذي في لفظ الحكم فإنه يقال: الحكم في الطلاق المعلق على النكاح، اللزومُ للمقلد المالكي، ويقال: الحكم الذي حكم به الحاكم الفلاني على فلان معلِّق الطلاق، لزوم الطلاق، والمراد بالحكم الاول لزوم الطلاق لكل معلق للطلاق، من مالكي أو مقلِّدٍ لمالكي، والمراد بالحكم الثاني لزوم الطلاق بالزام الحاكم المحكوم عليه مِنْ مالكي وغير مالكي، والله أعلم:
(١٨٢) عقب ابن الشاط قائلا: للكلام في القول الشاذ والمدْرَك الضعيف مجال ليس هذا موضعه".

<<  <  ج: ص:  >  >>