ويظهر لك بهذا أيضًا أن تصرَّف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا وقع، هل هو من باب الفتوى، أو من باب القضاء والانشاء. وأيضا يظهر أن إخبار الحاكم عن نصاب اختلف فيه أنه يوجب الزكاة، فتوى، وأمّا أَخْذه الزكاةَ في مواطن الخلاف فحكمٌ وفتوى من جهة أنه تَنازُعٌ بين الفقراء والأَغنياء في المال الذي هو مصلحة دنيوية، ولذلك إن تصرف السعاة والجباة (وهم الذين يَجْمعون اموال الزكاة من الناس) أحكام لا ننقضها وإن كانت الفتوى عندنا على خلافها، ويصير حينئذ مذهبنا. ويظهر بِهذا التقرير ايضا سِرُّ قول الفقهاء: إن حكم الحاكم في مسائل الاجتهاد لا يُنقَضُ، وأنَّه يَرجع إلى القاعدة الأصولية، وتصير هذه الصورة مستثناة من تلك الادلة العامة، كاستثناء المصَرَّاة (الشاة والبقرة أو الناقة التي يُترك في ضرعها اللبن من طرف البائع ليُظَنَّ عند الشراء انها كثيرة الدَّرّ واللبن)، وكاستثناء العرايا والمساقاة, وغيرها من المستثنيات. ويظهر بهذا أيضًا أن التقريرات من الحكام ليست أحكاما، فتبقى الصورة قابلة لحكم جميع تلك الاقوال المنقولة منها. وقد عقب الشيخ ابن الشاط على هذا الكلام عند القرافي مسأَلة مسأَلة، فقال: ١) ما قاله في ذلك صحيح. ٢) لا يصير تصرف السعاة أو أحكامُهم مذهبنا، ولكننا لا ننقضه، لمصلحة الأحكام. أي لِلابقاء عليها. ٣) قال ابن الشاط: لا رجوع هنا للقاعدة الاصولية، إن كان (القرافي) يعني قاعدة الخاص والعام، ولكن يرجع إلى قاعدة فقهية وهي أن الحكم إذا نفذ على مذهب مَّا، لا يُنقَض ولا يُرَدُّ، وذإك لمصلحة الاحكام ورفع التشاجر والخصام. ٤) ثم قال ابن الشاط في تقريرات الحكام وأنها ليست احكاما الخ: ذلك صحيح، وأكثره أو كلّه نقل لا كلام فيه.