(١٨٥) قال القرافي هنا: فظهر, أيضا من هذه الفتاوى والمباحث أن الفتوى والحكم، كلاهما إخبار عن الله تعالى، ويجب على السامع اعتقادهما، وكلاهما يَلزَم المكلفَ من حيث الجملة، لكن الفتوى إخبار عن الله تعالى في إلزام أو إباحة, والحكم إخبار، معناه الانشاء والالزام من قِبَل الله تعالى. وبيان ذلك بالتمثيل أن المفتي مع الله تعالى كالمترجم مع القاضي، ينقل ما وجده عن القاضي واستفاده منه بإشارة أو عبارة أو فعل أو تقرير أو ترك. والحاكم مع الله تعالى كنائب الحاكِم ينشئ الاحكام والإِلزامَ بين الخصوم، وليس بناقِلٍ ذلك عن مستنيبه، بل مستنبيه قال له: أي شيء حكمت به على القواعد فقد جعلتُهُ حكمى، فكلاهما موافق للقاضي ومطيع له وساع في تنفيذ مواده، غير أَن أَحدهما ينشئ والآخَر ينقل نقلا محضا من غير اجتهاد له في الانشاء، كذلك المفتى والحاكم كلاهما مطيع لله تعالى، قابُلُ لحكمه، غير أن الحاكمَ منشئ، والمفتى مخبرٌ محْض. قال القرافي: وقد وضعت في هذا المقصد كتابا سميته: (الإِحْكَام في تمييز الفتاوي والأحكام، وتصرف القاضي والامام)، وفيه اربعون مسأَلة في هذا المعنى، وذكرت فيه نحو ثلاثين نوعا من تصرفات الحكام ليس فيها حكم، ولتقتصر هنا في هذا الفرق على هذا القدر. =