للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ليسَ بحكم، ولغيره فسْخه. "قال ابن القاسم: (١٨٤) هُوَ حكْمٌ، لِأنه أمضاه، والإِقرار عليه كالحكْم بإجازته فلا يُنْقَضُ. واختاره ابن محرز، وقال: إنه حُكْمٌ في حادثة باجتهاه، ولا فرق بين أن يكون حكمه فيه بإمضائه أو فسخه، أما لو رُفع إليه هذا النكاح، فقال: أنا لا أجيز هذا النكاح بغير وليٍّ، من غير أن يحكم بفسخ هذا النكاح بِعَينه، فذلك فتوى وليس بحكم. قال: ولا أعْلمُ في هذا الوجه خلافا.

قال: وإن حكمَ بالاجتهاد فيما طريقُهُ التحريم والتحليل، وليس نقلَ مِلْك لأحد الخصمين إلى الآخر، مثل رضاع كبير يحكم بأنه رضاعُ تحريمٍ، ويَفسَخ النكاح من أَجْله .. فالفسخ والتحريم في المستقبل لا يثبت بحكمه. وهذه القاعدة تظهر أن الثبوت غير الحكم، وأن الثبوت أعمّ من الحكم، فقد يثبت الشيء ولا يكون حُكْماً، والأعَمُّ غيرُ الأخص ولا بد، وهذا كما قلنا في الامور التعبدية كالصلاة والطهارة تثبت فيها أحكام، ويقال: إنها ثبوت، ولا يقال: إنها حُكم، (١٨٥) واللهُ أعلم.


(١٨٤) قال ابن الشاط: كلام ابن القاسم هو الصحيح عندي، والله أعلم.
(١٨٥) قال القرافي هنا: فظهر, أيضا من هذه الفتاوى والمباحث أن الفتوى والحكم، كلاهما إخبار عن الله تعالى، ويجب على السامع اعتقادهما، وكلاهما يَلزَم المكلفَ من حيث الجملة، لكن الفتوى إخبار عن الله تعالى في إلزام أو إباحة, والحكم إخبار، معناه الانشاء والالزام من قِبَل الله تعالى.
وبيان ذلك بالتمثيل أن المفتي مع الله تعالى كالمترجم مع القاضي، ينقل ما وجده عن القاضي واستفاده منه بإشارة أو عبارة أو فعل أو تقرير أو ترك. والحاكم مع الله تعالى كنائب الحاكِم ينشئ الاحكام والإِلزامَ بين الخصوم، وليس بناقِلٍ ذلك عن مستنيبه، بل مستنبيه قال له: أي شيء حكمت به على القواعد فقد جعلتُهُ حكمى، فكلاهما موافق للقاضي ومطيع له وساع في تنفيذ مواده، غير أَن أَحدهما ينشئ والآخَر ينقل نقلا محضا من غير اجتهاد له في الانشاء، كذلك المفتى والحاكم كلاهما مطيع لله تعالى، قابُلُ لحكمه، غير أن الحاكمَ منشئ، والمفتى مخبرٌ محْض.
قال القرافي: وقد وضعت في هذا المقصد كتابا سميته: (الإِحْكَام في تمييز الفتاوي والأحكام، وتصرف القاضي والامام)، وفيه اربعون مسأَلة في هذا المعنى، وذكرت فيه نحو ثلاثين نوعا من تصرفات الحكام ليس فيها حكم، ولتقتصر هنا في هذا الفرق على هذا القدر. =

<<  <  ج: ص:  >  >>