للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نَقْضُ ما لا يُنقَض. فإذا قضَى قاض ثان بنقض حُكْم الأول - وهو ممّا لا يُنقَض - نَقَض الثالث حكم الثاني، لأن نقضه خطأ، ويُقِرُّ الأولَ. وكذلك لو تصرَّف الصفيه الذي تحت حِجْر القاضي بالبيع والنكاح وغيرهما فرَدّهُ، فجاء قاض ثانِ فأنفَذَهُ، نقَضَ الثالثُ هذا التنفيذَ وأقَرَّ الأول، وكذلك لو فسخ الثاني الحكم بالشاهد واليمين لَرَدَّه الثالث، لأن النقض في مواطن الاجتهاد خطأ، ونَقضُ الخطأ يتعَيَّنُ.

القسم الثالث: ما حَكَمَ به على خلاف السبب، والقسْم الذي قَبْلَهُ على خلاف الدليل، وقد تقدم الفرق بين الأسباب والأدِلة والحِجَانَ، وأن القضاة يعتمدون الحجاج، والمجتهدين يعتمدون الْأدِلة، والمكلَّفين يعتمدون الأسباب , فاذا قضَي القاضي بالقتل على مَن لم يَقْتُلْ، أو بالبيع على من لم يبع، أو بالطلاق على من لم يُطَلِّق، فهذا قضاءُ على خلاف الأسباب، فمتى أطُّلع على ذلك وجَبَ نقضه عند الكل، إلا قِسْماً (١٩١) منه خالَف فيه أبو حنيفة، وهو ما كان فيه عقدٌ أو فسخ، فيُجْعل (١٩٢) حكم الحاكم كالعقد فيما لا عقد فيه، أو كالفسخ فيما لا فسخ فيه، فإذا شهدَ عنده شاهدَا زُور بطلاق امرأة، فحَكَم بطلاقها، جاز لذلك الشاهِد أن يتزوجْها، مع علمه بكذب نفسِه، لأن حكم الحاكم فسْخٌ لذلك النكاح، وكذلك إذا شهِد عنده ببيع جارية فحَكَم ببيعها، وكذلك كل ما فيه عقد أو فسْخٌ.


(١٩١) في ع: إلا قسمٌ منه، وكذاء عند القرافي. وفي ح، وت: إلا قسماَ منه بالنصب، وهو الصواب، تمشيا مع قاعدة الاستثناء بأن المستثنى يكون منصوباً إذا كان الكلام موِجَباً، وتاما بأن ذُكِر فيه المستثنى منه، وذلك معنى قول ابن مالك في ألفيته في باب الاستثناء:
ما استثنتْ إلّا مع تمام ينتصبْ ... وبَعد نفي أو كَنَفي انتُخبْ
إتباعُ ما اتصل وانصِبْ ما انقطع ... وعن تمتم فيه إبدالٌ وقع.
(١٩٢) كذا في ع، وت، وعند القرافي: وفي نسخة ح. فجعل بصيغة الماضي، فيكون الضمير حينئذ عائدا على أبي حنيفة رحمه الله. فليحقق ذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>