للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأمّا الدُّيون وما يجري مجراها ممّا لا عقد فيه ولا فسخ، فيوافقنا فيه، وأنه باق على ما كان عليه قبل الحكم، وهذا معنى قول المالكية والشافعية والحنابلة: حكْم الحاكم لا يُحِلُّ حراما ولا يُحِلُّ حلالا في نفس الأمْر، خلافا لأبي حنيفة، ووافقَنا ايو حنيفة - أيضا - فيما إذا قضى بنكاح الأختِ أو ذاتِ مَحْرَمٍ، بأنها لا تَحِلُّ له، لأن المقْضِي له، لو تزوجها لمْ تحِلَّ له، لفوات قَبول المحل. وكذلك وافقنا إذا تبيَّن أن أحد الشهود عبْدٌ، والحُكْم في عقد نكاح (١٩٣).

لنا قوله عليه الصلاة والسلام: "إنما أنا بَشرٌ مثلُكُمْ، وإنكم لتختصمون إلىَّ، ولعل بعضكم أنَ يكون ألْحنَ بحجته من بعص، فأقضىَ له على نحو ما أسْمع، فمن قضَيت له بشيء من حق اخيه فلا يأخذَه، فإنما أقطع له قطعة من نارٍ" (١٩٤)، وهو عامٌّ في جميع الحقوق. (١٩٥)

احتجوا بقضية هِلال بن أمية في الصحيح، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - فرق بينه وبين امرأته في اللعان، قال: إن جآت به على صفةِ كذا فَهُوَ لشَريك، فجاءت به على تلك الصفة (١٩٦)، وبقي الامر على ما قال هلال، وأن الفُرْقَة لم تكن موجودةً، ومع


(١٩٣) عبارة القرافي: وكذلك وافقَنا إذا تبين أن الشهود عبيد، والحكم في عقد النكاح، وفرق بأن الشهادة شرط ولم توجَد في الاموال ولم يحكم الحاكم بالمِلك بل بالتسليم، وهو لا يوجب الملك ... إلى آخر كلامه.
(١٩٤) حديث صحيح متفق عليه بين الشيخين البخاري ومسلم، واخرجه كذلك أصحاب السنن عن أمّ سَلَمة رضي الله عنها. ورحم كافة أهل الحديث والفقه في الدين، وجميع المسلمين.
(١٩٥) زاد القرافي تعليلا آخر بقوله: وقياسا على الأموال بِطريق الأولى، لأن الأموال اضعف، فإذا لم يؤثر فيها فأولى الفروج والأبضاع.
(١٩٦) أخرج الإِمام البخاري رحمه الله عن ابن عباس رضي الله عنهما أن هلال ابن أمية قذف امرأته عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشريك بن سحماء، فقال الله - صلى الله عليه وسلم -: البينة أوحَدُّ في ظهرك، فقال: يا رسول الله، إذا رأى أحدُنا على امرأته رجلا، ينطلق يلتمس البينة؟ ، فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: البينة أوحَد في ظهرك، فأنزل الله في ذلك قولَه تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (٦) وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (٧) وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (٨) وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ} , فانصرف النبي - صلى الله عليه وسلم - إليها، فجاء هلال فشهد، والنبي يقول: إن الله يعلم أن أحدكما =

<<  <  ج: ص:  >  >>