للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والأصل في التُّهم قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تُقْبَلُ شهادةُ خصم ولا ظنين" (١٩٩) أي متَّهَم.

قال ابن يونس في الموازية: كل من لا تجوز شهادته له لا يجوز حكمه له. وقال أبو حنيفة والشافعي وأحمد بن حنبل - رضي الله عنهم -: لِأن حكم الحاكم لازِمٌ للمقضىّ عليه، فهُوَ أوْلى بالرَّد مِن الشهادة، لأن فوق الشاهِد من ينظر عليه، فيضْعُف معه الاقدام على الباطل، فتَضْعُفُ التهمة، قال: ولاَ لعمِّه، إلَّا أن يكون مبرِّزا. وجَوَّزه أبو حنيفة والشافعي وأحمد بن حنبل رضي الله عنه، وقال عبد الملك: لا يَحْكُم لولده الصغير ولا ليتيمه ولا لامرأته، ويجوز لغيْرِ هَؤلاء الثلاثة كالأب والابن الكبير. وإن امتنعت الشهادة فإن منصب القضاء أبْعَدُ عن التهم، لعِظم مَنصِبِ القضاء. وقال أصبغ: إن قال: ثبت عندى ولا يَعْلَمُ أثبتَ أم لا؟ ، ولم يَحضره الشهود، لمْ ينفَّذ، فإن حضر الشهود وكانت شهادة ظاهرة بِحق بيِّنِ جاز فيما عدا الثلاثة المتقدمة، لأن اجتماع هذه الأمور يُضْعف التهمة، وهو الفرق بينه وبين الشهادة. وعن أصبغ، الجواز في الولد والزوجة والأخ والمُكاتب والمدَبَّر. وإن كان من اهل القيام بالحق صَحَّ الحكم. وقد يحكم للخليفة وهو فوقه، وتُهْمَتُهُ أقْوَى. ولا ينبغي له القضاء بيْن أحدٍ من عشيرته وخصْمه وإن رضي الخصْمُ، بخلاف رجُلَيْن رضِيا بحكم رجل أجنبي، فينفَّذ ذلك عليهما. ولا يَقضي بينه وبين غيره وإن رضي الخصْم بذلك، فإن فعل. فليُشهِدْ على رضاه ويجتهد في الحق، وان قضى لنفسه أوْ لمن يمتنع قضاؤه له، فلْيذكر القِصَّة كلَّها، ورِضَى


(١٩٩) أورده الإِمام السيوطي في الجامع الصغير بلفظ: "لا تجوزُ شهادة ذي الظِنَّة ولا ذي الحِنَة" نقلا له عن الحاكم في المستدرك، والبيهقي في السنن. والظنين هو المتهم في الشيء لسبب يدعو إلى الظّنة والتهمة.
وقدْ وردت هذه الكلمة في قول الله تعالى في حق نبيه - صلى الله عليه وسلم - في القرآن المبين، {وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ} أي ليس متهما فيما يوحى اليه، بل هو صادق ومبلغ رسالة الله سبحانه إلى الناس كافة. وقرئ: ضنين بالضاد المهملة، ومعناه: أنه - صلى الله عليه وسلم - ليس ببخيل في تبليغ وحى الله ودينه إلى الناس، وانما بلغه ويبلغه لكل أحد بدون فرق او تمييز، وكلاهما ومعناهما صحيح متواتر كما قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: سورة التكوير. الآية ٢٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>