للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: الثاني قوله عليه الصلاة والسلام: "شاهِدَاك أو يمينه ليس لك إلا ذلك"، (٢٠٣) فحصَر الحجة في البينة واليمين دون عِلْم الحاكم وهو المطلوب.

قلت: يقول الخصم: حصْرُ الحجة فيما ذكرتهُ على الإِطلاق ليس يَدُل عليه الحديث، فإنه قال لهذا الرَّجل هَذا، لأنه لم يكن عالِماً بحاله مع خصمه، ولعله يكون عالِماً بحال آخَرَ فيكون علمه حجةً له.

قال: الثالثْ: أنه قال: أخْطُبُ (٢٠٤) وأعْلِمُ الناسَ برضاكم"، لقوم كان لهم شِجَاجٌ، فأعطاهم النَّبي - صلى الله عليه وسلم - الأرْشَ، فقالوا: نعَمْ، فخطَبَ، ثمَّ أعْلَمَ برضاهم، فقالوا: لا، ثم زادهم، وخطب فأعلَمَ برضاهم، بَعْدَ أن قالوا: رضِينا، فقلوا حين أعْلمَ برضاهم: نعَمْ، وذلك دليل على أنه لا يَحكُمُ بعلمه.

قلت: وهذا الآخِرُ أضعفُ ممَّا قبله في الدلالة على المقصد.

الرابع قوله عليه السلام: "لو كنتُ راجِماً بغير بينَةٍ أحداً لرجمتها" (٢٠٥)، وأمّا غير ذلك وهو العلم فلم يتعرض له بنفي ولا إثبات.


(٢٠٣) تقدم تخريجُهُ، وأنه متفق عليه، وأن الخطاب والكلام موجه للاشعث بن قيس.
(٢٠٤) عبارة القرافي ذكَرَتْ أول هذا الحديث فقال: روى ابو داود أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث أبا جهْم على الصدقة، فلاحاهُ رجل في فريضة، فوقع بينهما شِجاج، فأتوا النبي - صلى الله عليه وسلم - فأعطاهم الارش، ثم قال: ..... الحديث الخ، قال القرافي: وهو (أي هذا الحديث) نص في عدم الحكم بالعلم. والشج هو الجرح، يقال مثلا، شجه في رأسه إذا جرحه، ويقال: شاجَّ القومُّ وتشاجوا مشاجة وشجاجا إذا شج بعضهم بعضا اي جرح بعضهم بعضا.
(٢٠٥) عبارة القرافي قال: جاء في الصحيحين في قِصة هلال وشريك: إن جآت به كذا فهو لهلال، يعني الزوج، وإن جآت به لكذا فهو لشريك بن سمحاء، يعني المقذوف، فجاءت به على النعت المكروه، فقال - صلى الله عليه وسلم - "لو كنت راجما احدا بغير بينة لرجمتها"، فدل ذلك على أن أنه (اى القاضي لا يقضى في الحدود بعلمه، لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يقول إلا حقا، وقد وقع ما قال. فيكون العلم حاصلا له، ومع ذلك ما رجم، وعلَّل بعدم البينة". اهـ كلام القرافي رحمه الله.

<<  <  ج: ص:  >  >>