للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في هذه المسألة لأبي حنيفة لا يصِحُّ، ولمنافاتها للقياس الجلِيّ على الخمر، ومخالفةِ النصوص الصحيحة: "ما أسْكَرَ كثيرُهُ فقليلُه حرام". (١٩).

وقال الشافعي رضي الله عنه: أحُده وأقْبَلُ شهادته. أما حدُّه فللمفسدة الحاصلة من التوسل لِإفساد العقل، وأما قَبول شهادته فإنه لم يَعْصِ، بناءً على صحة التقليد عنده، قال: والعقوباتُ تتبع المفاسد لا المعاصي، فَلَا تَنَافِيَ بينَ "عقوبته وقَبول شهادته. ويَيْطُل عليه قولُه من جهةِ أن هذا إنما هو في التعازير.

أمّا الحدودُ المقدرة فَلمْ توجد في الشرع إلَّا في معصية، عملا بالاستقراء، فالحقَ مع مالك رضي الله عنه.

قلت: هذه مصادره، فمحلُّ النزاع هو، هل هذا في التعزيرات فقط، أوْ فيها وفي الحدود إذا كان فيها مثلُ ما ذكرنا من التقليد، والله أعلم:

قال: الرابع أن التعزير قد يسقط إن قلنا بوجوبه. قال إمام الحرمَيْن: إذا كان الجاني من الصبيان أوْ المكلفين حِين جنى جناية حقيرة، العقوبة الصالحة لها لا تؤثر فيه ردْعا، والعظيمة التي تؤثر فيه لا تَصلُح لهذه الجناية، سَقط تادبيه مطلقا، العظيمة لعدم موجبها، والحقيرة لعدم تاثيرها.

الخامس من الفروق: أن التعزير يسقط بالتوبة بلا خلاف، والحدود لا تسقط بالتوبة على الصحيح، إلا الحرابة، لقوله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ}. (٢٠)


(١٩) أخرجه كل من الإِمام البخاري والإمام الترمذي رحمهما الله. ورواه أصحاب السنن عن جابر رضي الله عنه
(٢٠) والاستثناء من قوله تعالى في الآية قبلها في عقاب البغاة المحاربين المفسدين في الارض: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (٣٣) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} سورة المائدة الآية ٣٤ - ٣٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>