للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال شهاب الدين - رحمه الله: هنا سؤال وهو: مَفْسدة الكفر أعظم المفاسد، والحرابة أعظم المفاسد، وهاتان المفْسدَتان العظمتان تَسْقطان بالتوبة، والمؤثر في سقوط الأعلى أوْلى أن يؤثر في سقوط الأدْنَى، وهو سؤال قوي يقَوِّي قولَ من يقول بسقوط الحدود بالتوبة، قياسا على هذا المُجمع عليه بطريق الأولى.

وجوابه من جوه:

أحدُها أن ذلك كان ترغيبا في الاسلام (٢١)، وثانيها أن الكُفْر يقع لِشُبُهَات (٢٢) فيكون فيه عذر عادي، ولا يُؤثِرُ أحدٌ أن يكفر لهواه، ولا يزني أحدٌ إلا لهواه، فناسب التغليظ. وثالثها أن الكفر لا يتكرر غالبا، وجنايات الحدود تتكرر غالبا، فلو أسقطاها بالتوبة لتجرأ الناس عليها أكثر.

وأما الحِرَابة فلأنا لا نسقطها إلا إذا لم نتحقق المفسدة بالقتل وأخذِ المال، أمَّا متى قَتَلَ قُتِل (٢٣)، وإذا أخذ المال وجَبَ الغُرْم وسقط الحَدُّ، لأنه حدٌّ فيه تخير، بخلاف غيره فإنه محَتَمٌ، والمُحَتَم آكدُ من المخيّر فيه.

السادس من الفروق أن التعزير يختلف باختلاف الفاعل والمفعول معه، والحدُّ ليس كذلك.

السابع أن التَّعْزير يختلف باختلاف الأعصار والأمصار، فَرُبَّ تعزيز في بلد يكون إكراما في آخر، كقطع الطيلسان (٢٤) إكرامٌ في الشام، وتعزيزٌ بمصر.


(٢١) عبارة القرافي هي: أن سقوط القتل في الكفر يُرغّب في الاسلام.
فإن قلت: إنه يبعث على الردة، قلت: الردة قليلة، فاعتُبِر جنس الكفر وغالِبُهُ.
(٢٢) كذا في جميع النسخ، وعند القرافي: "للشبهات" (بالتعريف)، فيكون فيه عذر عادي.
(٢٣) زاد القرافي قوله: "الا أن يعفو الاولياءُ عن الدَّم".
(٢٤) الطيلسان: كساء أخْضَرُ يلبسه الخواص من بعض العلماء والمشايخ، وهو من لباس العجم، وجمعه طيالس.

<<  <  ج: ص:  >  >>