للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثامن أن التعزير يتنوع إلى حق الله وإلى حق العبد (٢٥)، والحدودُ كلها حق لله إلا القذف، ففيه خلاف. (٢٦).

ولنذْكُرْ هاهُنا أن قتال البُغاة وقتْلَهم، إنما هو زجْرٌ لاحَدٌّ. (٢٧) والبغاة هم الذين يَخرجون على الإِمام ييغون ضَلْعَه أو منع الدخول في طاعته، أومنع حق واجب، بتأويل في ذلك كله، وبه قال الأئمة، وما في اشتراط التاويل خلاف، (٢٨) وبه يمتازون عن المحارِبين. (٢٩).

قال شهاب الدين: ويَفْتَرق قتالهم من قتال المشركين بأحَدَ عشر وجْها:

أن يُقصد بالقتال ردْعُهم لا قتْلُهُم، ونكُفُّ عن مُدبرهم، ولا يُجْهَزُ على جَريحهم، ولا تُقْتَل أسْراهم، ولا تُغْنَمُ أموالُهم، ولا تُسْبَى ذَراريهم، ولا يُستعان على


(٢٥) مثل القرافي لحق الله، الصرف الخالصِ، بالجناية على كتاب الله العزيز، أو على الصحابة، رضوان الله عليهم.
(٢٦) الفرق التاسع بين الحد والتعزير أن التخيير بدخل في التعازير مطلقا، ولا يدخل في الحدود إلا في ثلاثة أنواع فقط.
والعاشر: أن التعزير على وفْقِ اَلأصل من جهة اختلافه باختلاف الجنايات وهو الأصل، بدليل حَدِّ الزني مائةَ جلدةٍ، وحد القذف ثمانون، وحدُّ السرقة القطع، وحدُّ الحرابة القتل.
وقد خولفت هذه القاعدة في الحدود دون التعازير، فسوَّى الشرع بين سرقة دينار وألفِ دينار، وشارب قطرة من الخمر وشارب جَرَّة منها في القصاص، مع اختلاف مفاسدها حدا، وعقوبةُ الحر والعبد سواء، مع أن حُرمة الحر أعظم لجلالة مقداره، بدليل رجم المحصَن دون البكر، لِعِظم مقداره، مع أن العبيد إنما ساوت الأحرارَ في السرقة والحرابة لتعذر التجزئة، بخلاف الجلْد، واستوى الجرح اللطيف السارى للنفس، والعظيم في القصاص مع تفاوتهما، وقتل الرجل العالم الصالح التقي الشجاع البطل مع الوضيع. اهـ.
(٢٧) ما ذكره الشيخ البقوري هنا هو موضوع الفرق الثالث والأربعين والمائتين بين قاعدة قتال البغاة وقاعدة قتال المشركين. جـ ٤. ص ١١١.
(٢٨) عبارة الامام القرافي: "وما علمت في ذلك خلافا".
(٢٩) فالمحاربون يخرجون على الناس، ويعتدون على حُرُماتهم في الأنفس والأموال والأعراض، وهم بذالك يُحَاربون الله ورسولَه، ويسعون في الأرض فساداً، وقد أبانت آية الحرابة عن حكمهم في قوله - تعالي: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ}، وقد سبق ذكرها في الفرق قبل هذا بين الحد والتعزير.

<<  <  ج: ص:  >  >>