للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثمّ إن الحدود يغلب عليها التَّعَبُّد من جهة مقاديرها، وإن كانت معقولة المعتى من جهة أصولها. والتعبُّدُ لا يُجيز التصرف، فظهر أنه لا يلوم من الاستواء في الأذية الاستواءُ في الحدِّ، ولكن يعزَّرُ في حق الواحد، ويُحَدُّ في حق الآخر.

القاعدة الثانية: قاعدةُ حمْل المطْلَق على المقيَّد، وذلك أن الله تعالى قال: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} الآية، فجاَت هذه مطْلَقَةً، وجآت ايةٌ أخرى مقيَّدةً، وهي: {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ}، (٣٦) ومن زَنَى ليس بغافل، فيُرَدُّ المطلق إلى المقيد. ومفهوم هذِه (الآية) المقيَّدة أن من لم يكُن غافلا لاحدّ على الانسان في قذفه، وإن كان التعزير يلحق. بسببه. (٣٧) وأمَّا عَوْد الفسوق بِعَوْدِ الجناية فإن الأمة مجمِعة على أن سبب الفسوق ملابَسة الكبيرة، أو الإِصرار على الصغيرة من غير قيْدٍ ولا شرْط، فحَيْث وُجد، وجبَ القضاء بالفسق من غير استثناء صورةٍ من صورة، عملا بطردِ العلة ووجُوبِ الموجِبِ.


(٣٦) سورة النور - الآية ٢٣، ص، {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (٢٣) يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.
(٣٧) قال القرافي هنا: والمباشر للزني ليس بغافل عنه، فلا يحدُّ قاذفه، لأنه لَوْ حُدُّ لحصَلَ معنى اللعْن في الدنيا والآخرة، وهو منفيٌّ بهذه الآية من جهة مفهومها الذي هو مفهوم الصفة، لأن مفهومها يُلعن بالتعزو والعقوبة المؤلمة على حسب حال المقذوف، فيبقى مما عداه على مقتضى الدليل.

<<  <  ج: ص:  >  >>