للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المستهْلَك هَلْ يؤثر تحْريما أم لا؟ (٣٤)، فمن علّل بالحكمة أوقع به الحِرمة، قاله مطرف من أصحابنا، وقال مالك في المدونة: لا تقع به الحِرمة، إعراضا عن التعليل بالحكمة، وقاله الشافعي وأبو حنيفة: . فمسألتنا، إنْ لاحَظْنا الحِكمة دون السبب حَسُنَ إعادةُ الحدّ، وإن اقتصرنا على حصول السبب فلا يجب الحدُّ، لأنه اشتِرط فيه الاحصان، وَهُوَ يتخفف بعدم مباشرة الزني، فإن النقيضين لا يَصْدُقان، (٣٥) وَالعدالة بعد ذلك لا تُنَافِي كونه مباشِراً.


(٣٤) عبارة القرافي أوسع وأوضح حين قال: "وكذلك شرِعَ الرّضاع سببا للتحريم، بسبب أن جزء المرضية وهو اللّبَن صار جزءَ الرضيع باغتذائه به وصيرورته من أعضائه، فأشبه مَنيَّها ولحمتها في النَّسب، لأنهما جزء الجنين، ولذلك قال عليه السلام: "الرضاع لُحمة كلُحمة النسب"، فإذا أخذنا نعلل بهذه الحكمة لَزِمَنَا أن من شرب دم امرأة أو أوكل قطعةً لحمها يحرم عليها وتحرم عليه، وليس كذلك، ولأجل ملاحظة التعليل بالحكمة إذا استُهْلِك اللّبَنُ وعُدِم ما يسمَّى رضاعا ولبنا وتناوله الصبى، فمن علَّل بالحكمة أوقع به الحرمة ... الخ.
(٣٥) التعبير بالنقيضين مصطلح من مصطلحات علم المنطق وألفائظه، وهو أحد الأنواع الأربعة للتقابل بين الألفاظ المفردة، وهذه الأنواع هي:
١) تقابُلُ النقيضين، وهما الأمران اللذان يكون أحدهما سلبا للآخر ونفياً له، ولا يجتمعان ولا يرتفعان معا، بل لابد أن يكون أحدهما موجودا، مثل قولك: إنسان، لا إنسان، حيوان، لا حيوان، طائر، لا طائر.
والتعبير بالنقيضين يكون في التنافي بين المفردات كما اتضح من خلال التعريف والأمثلة لذلك. وهو بذلك غير التناقض الذي يكون بين جملتين أو قضيتين متناقضين، ولذلك قيل في تعريفه: إنه اختلاف القضيتين في الكيف، اختلافا يقتضي لزوم صدق إحدهما وكذِبَ الأخرى، مثل القول: زبد قائم، زيدْ ليس بقائم، الانسان حيوان، الانسان ليس بحيوان، وهذا ما يُشير إليه الشيخ عبد الرحمان الأخضري رحمه الله في منظومته الشهيرة بالسلم في علم المنطق حيث قال في ذلك:
تناقض خُلْفُ القضيتين في ... كيف، وشرطُ واحدٍ أمر قفِيّ
٢) وتقابل الضدين، وهما الأمران الوجوديان اللذان لا يجتمعان، وقد يرتفعان، بحيث تبقى الواسطة بينهما، مثل أبيض وأسود، حيث يكون الشيء بلون آخرَ ثالث، مثل أخضر أو أحمر.
٣) وتقَابلُ المتضايفين، وهما الأمران اللذان لا يمكن تعتْل أحدِهمَا دون الآخر، مثل فوق، وتحت، وأعلى، وأسفل.
٤) وتقابل العدَم والملَكَةِ، وهما الأمران اللذان يكون أحدهما وجوديا والآخر عدميا، كالبصر بالنسبة للعمى، وكالسمع بالنسبة للصَّمَم، وهكذا الخ ... ولذلك قيل في تعريف التقابل: هو ألا يجتمع أمران في زمانٍ واحد في ذاتٍ واحدة من جهة واحدة.

<<  <  ج: ص:  >  >>