للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمُسكِر هو المغيِّبُ للعقل مع نشوة وسرور وقوة نفْس في الغالب، والمفْسِدُ هو المشَوش للعقل مع عدم السرور في الغالب، وهذا يُظهر أن الحشيشة مفسدة وليست بمسكِرة، لوجهين:

أحدُهما أنها تثير الخلط السوداوي، فيكون لذلك عند أكلها سُبَاتٌ وصَمْتٌ وجَزَعٌ، وصاحبُ الدم يَحْدُث له سرور ونشوة، وهو بعيدٌ عن البكاء والصمت. (٤٧)

الثاني أن شُرَّاب الخمر تكثُرُ عرابيدهم، (٤٨) وهذا لقُوّة نفوسهم، وأصحاب الحشيشة ليسَ لهم ذلك، بل لو سُلِبتْ ثيابهم ما تحركوا، قد لزموا الصَّمت والهدوء، فهو لهذا من المفسدات لا من المسكرات، فلا حدّ فيها، ولا تَبطُلُ الصلاة بها.

وأقول: تنفرد المسكرات عن المفسدات بثلاثة أحكام: الحد، والتنجيس، وتحريم اليسير، والمرقِّدات والمفسدات لَاحدَّ فيها ولا نجاسة، ويجوز تناول اليسير منها.


(٤٧) عبارة القرافي أوسع اواضح حيث قال: أحدهما أنا نجدها تثير الخلط الكامن في الجسد كيفما كان، فصاحب الصفراء تُحْدِثُ له حِدة، وصاحب البلغم تحدث له سباتا وصمتا، وصاحب السوداء تُحدث له بكاء وجَزَعا، وصاحبُ الدم تحدث له صرورا بقدر حاله، فتجد فهم من يشتد بكاؤه، ومنهم من يشتد صمته.
وأما الخمر والمسكرات فلا تكاد تجد أحداً ممن يشربها إلا وهو نشوان مسرور، بعيد عن صدور البكاء والصمت.
(٤٨) كذا في ع. وفي ت: تَكْثُرُ عرْبَدتُهمْ، وهو ما في هذا الفرق من كتاب الفروق.
والعَربدة: مصدر عربَد يعربد عرْبدَة، فهو عربيذ ومُعَربِد إذا سآه خلقهُ، وساء تصرفه في القول والفعل مع نفسه.
وعبارة القرافي: أن شراب الخمر تكثر عربدتهم ووثوب بعضهم على بعض بالسلاح وبهجمون على الامور العظيمة التي لا يهجمون عليها حالة الصحو.
فمن صلي بالبنج أو الأفيون لم تبطل صلانه إجماعا، ومن تناول حبة من الأفيون أو البنج أو السكران جاز ما لم يكن ذلك قدراً يصلُ إلى الثاثير في العقل أو الحواس، أما دون ذلك فجائز. قال القرافي: فهذه الاحكام الثلاثة وقع بها الفرق بين المسكرات والأخرين، فتأمل ذلك واضبِطه، فعليه تتخرج الفتوى والأحكام في هذه الثلاث.

<<  <  ج: ص:  >  >>