قلت: ولنذكر مسائلَ تتعلق بها الحدود والبابُ الذي قبله، هي لائقة بهذا الكتاب مما يحتاج إلى إبداء الفارق فيها. (٤٩).
المسألة الأولى: إذا أمضى الحاكم قضيةً ثم بان له أن الشهود عبيد لَزمه غرم ما أتلف، وإذا بان أنهم من غير أهل العدالة لم يكن عليه غُرْم، وفي كلا الموضعين تَبيَّن أن إمضاء الحكم بتلك الشهادة غير جائز، فلم كان الفرق؟ .
فالجواب أن أمْر العدالة يخفى، وإنما يُتوصَّل إليه بالاجتهاد على ظاهر الأمْر، فإذا شهد عنده من رأى أنهُ من أهل العدالة فقد عمل ما لزمه من إمضاء الحاكم، والعبودية أمْرٌ ظاهرٌ لا يخفَى، فإذا حكم بشهادتهم فقد فرَّط، ولو اجتهد لبَانَ له ذلك، فلزمه الغرم لتفريطه.
المسألة الثانية: إذا شهد شاهدان على رجُلٍ بعتق عبده فرُدَّت شهادتهما، فلا يجوز لواحدٍ منهما أن يملك العَبْد، فإن ملكَه عتَقَ عليه، واذا أعتق المفْلِس عبداً له، فَرَدَّ الغرماءُ عتقه، فإنه إن إشتراه مِن بَعْدُ لم يلزمه فيه عتق، والعتق من الجميع لم يمْضِ، فلِمَ كان الفرق؟ .
فالجواب أن عتق المفلس قد بطل ببيع السلطان، وبعد حكمه لم يلزَمه عتق إن عاد إليه، لأنَّ العتق قد بطَل، والشهودُ لم يَيْطلْ العتقُ المشهودُ به عندهم، لأنهم يعتقدون أن ذلك العبْدَ قد صار حُرًّا، وأن تملَّكه لا يجوز، ويعتقدون أن الحاكم غلط في ذلك، وأشْهَبُ لم يفرق بين مسألة الشهود والمفلس، والقياسُ ما قاله ابن
القاسم.
المسألة الثالثة: إذا قال أحَدُ الخصمين: رضِيتُ بما شهِد علىَّ به فُلان وفلان، فما شهدا به فهو الحق، كان له أن يرجع عن ذلك بعد شهادتهما فلا يلزمه ما شهدا به، وإذا قال: رضِيت يمينَك , وخُذْ ما تَدَّعيه لم يكن له أن يرجع
(٤٩) هذه المسائل هي مما اضافه الشيخ البقوري إلى كتاب الفروق لشهاب الدين القرافي رحمهما الله.