للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثاني محرَّم، وهو كل بدْعة تناولتْها قواعد التحريم وأدلتُه من الشريعة، كالمُكُوس (٤) والمُحْدَثاتِ من المظالم.

القِسْم الثالث من البِدَع مندوبٌ إليه، وهو ما تناولتْهُ قواعدُ الندب أو أدلَّتُه، كصلاة التراويح (٥)، وإقامةِ صُوَر للأئمة والقُضَاةِ ووُلَاةِ الأمر، على خلاف ما كان عليه الصحابة. فقد جاء عُمَر الشامَ ووجدَ معاويةَ قد اتخذَ الحُجَّاب والمراكبَ النفيسة والثياب العالية، وسَلَك ما سلكه الملوك، فأنكر عليه عُمَرُ، فقال: إنَّا بأرض يحْتاج إلى هذا في سياسة الناس، فقال له عمر بعد ذلك: لا آمرُك ولا أنهَاك، أيْ أنتَ أعْرَفُ بحالك وحالِ هؤلاء الناس، فإن كان كذلك جاز وإلا فلا.

القسم الرابع بِدع مكروهة، وهي ما تناولته أدلة الكراهة في الشريعة وقواعِدِها، كتخصيص الأيام الفاضلة أَو غيرها بنوع من العبادة، ففي الصحيح أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن تخصيص يوم الجمعة بصيام، (٦) أو ليلة بقِيَام.


(٤) المكوس: جمع مَكس، وهو ما يؤخَذ من نقود كضريبة على السلع الواردة من البادية إلى الحاضرة مثلا، أو الواردة على الأسواق في البادية أو الحاضرة بقصد بيعها، فيؤخذ من صاحبها شيء من النقد يؤديه مقابلَ إدخالها للسوق أو الإتيانِ بها إلى المدينة للبيع، وهو شيء غير مشروع ولا مقبولٍ في الاسلام، كما نص عليه الفقهاء. وذكروه في كتبهم المتعلقة بالأحكام السلطانية وغيرِها من الكتب الفقهية. فليرجع إليها من أراد التوسع في معرفة تلك الأحكام.
(٥) فصلاة التراويح في رمضان بدأها النبي - صلى الله عليه وسلم - وسَنَّها، وشرعها لأمته، فكان يُرغبُ في قيام رمضان من غير أن يأمرَهم فيه بعزيمةٍ، ويقول: "من قام رمضان إيماناً واحتِساباً غفِر له ما تقدم من ذنبه ... ".، ولكنه - صلى الله عليه وسلم - لم يداوم عليها، خشيةَ أن تُفرَضَ على أمته، ورحمَة بها، وتخفيفاً عنها.
وروى الإِمام البخاري عن عبد الرحمان بن عبد القاري رضي الله عنه قال: "خرجت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه ليلةً في رمضان إلى المسجد، فإذا الناسُ أوزاعٌ متفرقون، يصلى الرجلُ لنفسه، ويصلى الرجل فيصلى بصلاته الرهطُ (أي الجماعةُ)، فقال عمر: " (إنى أرى لو جمعتُ هؤلاءِ على قارئ واحد لكان أمْثَلَ، ئم عزم فجمعَهُمْ على أبيّ بن كعب، ثمّ خرجْتُ معه ليلة أخرى، والناسُ يصَلون بصلاة قارئهم، قال عمر: نِعْمَ البدْعة هذه، والتي ينامون عنها أفضلُ من التي يقومون، يريد آخر الليل، وكان الناس يقومون أولهُ". اهـ
(٦) عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يَصُمْ أحدُكم يومَ الجمعة إلا أن يصوم قبله أو يصومَ بعْدَه". رواه الشيخان: البخاري ومسلم وغيرهما من أئمة الحديث رحمهم الله.

<<  <  ج: ص:  >  >>