للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم إذا كان الدُّعاء عليه فلا يدْعَى عليه بمعصية ولا بكفْرٍ، فإن إرادة المعصية معصية، وإرادة الكفر كُفْر. (٧٣)

قلت: هذا غيرُ مسلّم، لقول موسى عليه السلام: {رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ}. (٧٤)

القسم الثاني عشر: ما استفاد التحريمَ من مُتَعَلَّقِهِ، وهو المدعو بهم لكونه طلبا لوقوع المحرمات، كأن يقول: اللهم اسقِه خمراً أو أعِنْه على المَكْس أوْ وطْء الاجنبية الفلانية، أو يطلب ذإك لغيره، إمّا لعدوِّهِ وإمّا لصديقه، وجميع ذلك محَرَّم تحريم الوسائل.

وُيروى: "من دعا لفاسقٍ بالبقاء فقد أحبّ أن يُعْصَى اللهُ تعالى،

ومحبةُ معصية الله تعالى محرَّمة، ودلَّ ذلك على أن الدعاء المحرَّم محرَّم. (٧٥)


(٧٣) زاد القرافي هنا قوله: بل تدعو علَيه بنكد الدنيا ولا تدعو عليه بمؤلمة لم تقتضها جنايته عليك، بأن يجنى عليك جناية فتدعو عليه بأعظمَ منها، فهذا حرام عليك، لأنك جانٍ عليه بالمقدار الزائد، والله تعالى يقول: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ}. فتأمل هذه الضوابط ولا نخرج عنها.
ثم عقب ابن الشاط على ما جاء في هذه الفقرة فقال. ليس هذا الاطلاق عندي بصحيح، بل إن اقترن بإرادة المعصية قولٌ في المعصية التي هي قول، أو فعل في المعصية التي هي فعل، فذلك معصية، وإلا فلا، على ما اقتضاه قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: إن الله تجاوزَ لأمتي ما حدثتْ بها أنفسُهَا ما لم تعمل أو تتكلم" فإرادة الكفر داخلة تحت عموم الحديث المذكور، ولا أعلم لهذا الحديث الآن معارضا، فلا كفْر، والله تعالى أعلم. هذا في إِرادة الرء أن يعصي أو أن يكفر، فكلا الإرادتين معصية لا كفر، والله تعالى أعلم.
(٧٤) وأولها قول الله تعَالى: {وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (٨٨) قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلَا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ}: سورة يونس: الآيتان ٨٨ - ٨٩
والخطاب لموسى وأخيه هارون في الآية ٨٧، قبل هذه، بقوله تعالى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ}.
(٧٥) عقب الشيخ ابن الشاط على ما جاء في هذا القسم الثاني عشر بقوله: ما قاله القرافي في هذا القسم صحيح. فرحمهما الله ورحم كافة العلماء وسائر المسلمين، وأثابهم على ما قدموه وأفادوا به الناس من علم وفقه في الدين، واستنباط من النصوص والأصول لأحكام شرعه الحكيم، ونَفعَنَا بعلمهم، آمين.

<<  <  ج: ص:  >  >>