وقد عقب الشيخ ابن الشاط رحمه اللهُ على هذه الفقرة الاخيرة وعلى ما جاء عند القرافي في هذه الفقرة من الاستدلال بالآية فقال: ليس في الآية التي استدل بها دليل على جواز الدعاء على الظالم، وإنما فيها الدليل على جواز الانتصار، والانتصارُ هو الانتصاف منه على درجة لا يكون فيها زيادة على قدر الظلم، وبالوجه الذي أبيح الانتصاف به. وجواز الانتصاف لا يستلزِم جواز الدعاء عليه، الا أن يكون الدعاء بتيسير أسباب الانتصاف منه، فقد يسوغ دعوى دلالة الآية على ذلك ضِمْناً لا صريحا، وأما الدعاء بغير ذلك فلا يدل عليه، لا بِضمن ولا بصرج. وما قاله من م نه إن زاد على ذلك بأن دعا له فقد أحسن إلى نفسه وإلى الجاني، صحيح أيضا. وما عقَبَ به من ذلك الحديث المخبِر عن الملائكة بأن الانسان إذا دعا بمكروهٍ على غيره تقول الملائكة، ولك مثله، إن كان أراد حمله على إطلاقه في الدعاء بالمكروه، وكذلك في الدعاء بالأمر المحبوب فلا أرى ذلك صحيحا، بل إن دعا على ظالم بأن يصاب بمثل ما أصاب به فلا يقول الملك: ولك مثله، وإنما يقول الملك ذلك إذا دعا الداعي على بَرئٍ أو على جان بأزيدَ من جنايته، هذا في جانب المكروه، وأما الدعاء في جانب المحبوب فلا أراه إلا على اطلاقه، والله أعلم. (٧٢) قال ابن الشاط هنا: ما قاله القرافي في ذلك صحيح. قلت: ومما يُستدَلُّ به على جواز الدعاء على الظالم ما اخرجه الشيخان: البخاري ومسلم وغيرهما. عبد الله بن عباس الله رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث معاذاً إلى اليمن (ايْ قاضياً) فقال: "اتقِ دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب". وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله عد: "ثلاثة لا تُرَدُّ دعوتهم: الصائم حتى يُفطر، والإِمام العادل، ودعوةُ المظلوم يرفعها الله فوق الغمام، ويفتح لها أبواب السماء، ويقول الربُّ: وعزتي لأنصرنك ولو بعد حين". رواه كل من الإِمام احمد والامام الترمذي وحسَّنه. وقد أشار بعضهم إلى دعوة الظلوم على الظالم، واستجابتها في بيتين فقال: لا تَظْلِمَنَّ إذا ما كنتَ قادرا ... فالظلم ترجِع عقباه إلى النَدَمِ تنامُ عيناكَ، والمظلومُ منتِبه ... يدعو عليك، وعينُ الله لم تَنَمِ