للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: الاستدلالُ بالآيةِ على ما ذُكِر ليس بظاهر، لأن المراد بالآية إنما هو لا تسألَنى قضيةً تظن أنها مصلحة، وظنُّك ليسَ بصائِبٍ، بل هي مفسدة.

فنُوحٌ عليه السلام توجهَ بلفظه وباطنه نحو قضية معلومة، وانتفى علمه عنها من حيث ما ذكرناه، إلّا أنه أتى بلفظ لم يَعْرف معناه.

ثم هذا القسم العاشر، منه ما يكتبه الناس يوم الجمعة بعد العصر آخرَ جمعة من رمضان من الحفَظة التي فيها (لغسلمون)، وقد كَرِه كثير من الفضلاء كَتْبَهَا، لأجل تلك اللفظة العجمية كما قال شهاب الدين ها هنا رحمه الله.

القسم الحادي عشر: الدعاء على من ليس بظالم، لأنه سعْيٌ في إضرارٍ غير مستحَقٍ، فيكون حراما كسائر المضَرَّاتِ والسَّعْي فيها.

فإن قيل: اللهُ تعالى عالمٌ بأحوال العباد فيعلَم الظالم والمظلوم، فلا يجيب الدعاء في غير الظالم، قيل: بل يُؤثر الدعاءُ بإرادة الله تعالى وإن كان المدعو عليه غير ظالم، لذُنوب اقترفها من غير جهة الدّاعي، بل لوجوزنا برآته من الذنوب لجوزنا جواز الإِجابة فيه لرفع درجاته. (٦٨) وأما الدعاء على الظالم فجوزه مالك وجماعة من العلماء غيرِهِ، وإن كان الْأحسَنُ الصبر والعفو، لقوله تعالى: {وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ}، (٦٩) ولقوله تعالى: {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} (٧٠). وإن زادهُ الإِحسانَ فذلك


(٦٨) عقب ابن الشاط على كلام القرافي في هذا القسم والفصل الحادى عشر، فقال: ما قاله في هذا الفصل صحيح، إلا قوله: "وإظهار صبْر العبد"، إن كان يريد به اشتراط الصَّبر في رفع الدرجات بالمصائب والآلام وشبه ذلك مما هو غير مكتسب على ما سبق له في الفرق الثالث والستين والمائتين، وسبق القول في مخالفتى إياه في ذلك، وإن كان لم يُرد اشتراط الصبر في ذلك بل أراد أن ما ذكره من إجابة دعوة المظلوم وغير ذلك من المصيبات يكون سببا لرفع الدرجات من غير شرط الصبر، ويكون أيضا سببا لوقوع الصبر من الصابر، فقد خالف قوله هنالك وناقَضه بهذا القول، والله تعالى أعلم.
(٦٩) و (٧٠) وقَبْلَها قولُ الله تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} [الشورى: ٤٠].

<<  <  ج: ص:  >  >>