للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: بل الأوْلى أن يقال: لَمَّا كان الداعي لا يعرف ما قدَّره الله، هل إثباتُ ذلك الشيءِ أو نفْيُهُ؟ طلبَ تقديره إن كان مرادَه، بمعنى إبرازِه للوجود، أوْ عدمَ تقديره إن كان لم يُرده، بمعنى أنه لا يبرزه للوجود. وصَحَّ هذا وإن كانت الأشياء كلها قد فَرغ الحق سبحانه منها، فعَلِم ما يقع ولا يتغير، وعَلِم ما لا يقع ولا يتغير أيضا، وليس فيه طلبُ تحصيل الحاصل، ولا طلبُ المحال من حيث غيبته (أيْ عَنْ الداعي) وعدمُ علمه بالمقضيّ.

القسم العاشر الدعاءُ بالألفاظ العجمية، لجواز اشتمالها على ما ينافي جلال الله تعالى. ويدل على تحريمه قولُهُ تعالى: {فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ}. (٦٧)


في الله تعالى بِالتوكل على الله والاعتماد عليه والتوجه إليه سبحانه بالدعاء بالتوفيق وإنجاح العمل والمسعَى عند العزم وإرَادةِ الِإقدام عليه في أي شأن من شؤون الإنسان وحياته العملية.
فعن جابر رضىِ الله عنه قال: "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعلِّمنا الاستخارة في الأمور كلها، كما يعلمنا السورة من القرآن، يقول: "إذا هَمَّ أحدكم بالأمر فلْيركعْ ركعتين من غير الفريضة، ثم ليقُل: اللهمَّ إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدِر ولا أقدر، وتعْلمُ ولا أعلم، وأنت علام الغيوب. اللهم إن كنت تَعْلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمْري (أو قال: في عاجلِ أمري وآجلِه) فاقْدُره لي ويَسّره لي، ثم بارك لي فيه، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وَعاقبة أمري (أو قال في عاجل أمري وآجِلهِ) فاصرفه عني واصرفني عنه، واقدُرْ لي الخير حيث كان، ثم أرْضِني به، قال (أيْ جابر): ويسَمِّي حاجته". انتهى الحديث. رواه الإِمام البخاري وأبو داود والترمذي والنَّسائي رحمهم الله.
(٦٧) وقَبْلَها قوله تعالى: {وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ (٤٥) قَالَ يَانُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (٤٦) قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [هود: ٤٥ - ٤٧].
ووجْه الاستدلال بالآية كما قال القرافي أن معناها أن أسألك ما ليس لي بجَوازِ سؤاله علم، فدل ذلك على أن العلم بالجواز شرط في جواز السؤال، فما لا يُعلَم جوازُه لا يجوز سؤاله، وأكد الله تعالى ذلك بقوله: {إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ}، واللفظ العجمي غير معلوم الجواز، فيكون السؤال به غير جائز، ولذلك منع مالك الرُّقى به".
وعقَّب ابن الشاط على كلام القرافي هذا، فقال: ما قاله فى هذا القسم صحيح،
على أن التعقيب الذي أتَى به الشيخ البقوري بعد الآية مباشرةً يفيد أن كلام القرافي غير سليم، وأن الاستدلال بالآية على ما ذكر القرافي ليس بظاهر، فليتأمل ذلك، والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>