للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأمْرَ أنُفٌ، (٦٤) وهو مذهب باطل. وكذلك أيضا: اللهمّ اقضِ، (٦٥) إذ معناهما واحدٌ.

وأورد شهابُ الدين اعتراضاً على هذا القسم بما جاء في حديث الاستخارة حيث قال: "واقْدُرْ لي الخيرَ حيث كان"، فأجاب بأن المراد بهذا اللفظ تيسيرُه، والناطق بهذه الكلمة يريد بها معْنى التيسير، فيجوز له إطلاقها، فإن لم يَنْوِ ذلك فلا يجوز، لِمَا قُلْنا. (٦٦)


(٦٤) أُنُفٌ بضم الهمزة والنون، بمعنى مستأنَف، والمراد بذلك في مذهب من وراه ويعتقده- وهُمْ القَدَرية - أنَ أمْرَ الله وعِلمَه وتقديره وتصريفه للأمور مستأنَف، فلا تقدير ولا عِلْمَ سابق في أزله، وقديم قدَمَ ذاته سبحانه، تعالى الله عن ذلك القول علُواً كبيراً. وفي حديث لابن عمر رضي الله عنهما. وقد قيل له: إنَّهُ ظَهر قِبَلَنَا (أي ظهر عندنا وفي جهتنا ببلدنا) ناسٌ يقرأون القرآن ويتقفَّرون العلم (أيْ يطلبونه ويبحثون عن غامضه)، وذكر (أي القائل) من شأنهم: وأنهم يزعمون أنْ لا قدَرَ، وأن الأمر أُنُفٌ، قال (أي ابن عمر): فإذا لقيتَ أولئك فأخبرهم أني برئ منهم وأنهم بُرآءُ مني، والذي يحلف به عبد الله بن عمر (وهو الله تعالى) لوْ أنَّ لأحدهم مثلَ أحُدٍ ذهبا فأنفقه، ما قَبِل الله منه حتى يُؤمن بالقدَر". رواه الإِمام مسلم رحمه الله.
والقدَرية - بفتح القاف والدال - هم طائفة وفرقة من المسلمين يعتقدون أنه لا قَدَرَ (يقدِّره الله على الإنسان)، وأن العبد يخلق أفعاله الاختيارية، بقدرة خلقها الله فيه، فالخالق عندهم اثنان: الله، والعبد في أفعاله الاختيارية، وهذا الاعتقاد فاسد وباطل في نظر واعتقاد أهل السنة والجماعة، فإنهم يرون أن الخير والشر من الله تقديرا أزليا في سابق علمه وأزله، ومنه سبحانه خلْقاً وإيجَادا، ولكنهما يُنْسَبَانِ إلى العبد عملا وكسْبا واختيارا، بما أعطاه الله من عقل وإرادة اختيارية، وقدرة بشرية على الفعلِ، والترك. والنصوصُ دالة على ذلك وواضحة فيه، مثل قوله تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ}، وقوله سبحانه: {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} وقوله: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} انظر كتب المِلَل والنَّحَل، للشهرستاني وابن حزم رحمهما الله.
(٦٥) عبارة القرافي أتَم وأوضح، وهي: "اللهم اقض لنا بالخير"، وقدِّر، واقضِ معناهما واحد في العرف.
(٦٦) عقب ابن الشاط على هذا الكلام عند القرافي بقوله: في هذا الكلام نقص فيما أرَى، ومثل ذلك الكلام ليس المراد به استئناف صفتىْ القدرة والإرادة، وإنما المراد استئناف المقدَّر والمراد، لاستحالة الأول وجواز الثاني، ومقتضَيْ استحالة الأول قرينة صارفة للثاني، فلا تحريم ولا معصية، ولا يفتقر مع ذلك إلى نية، والله أعلم.
وهو تعقيب يبدو دقيقا ووجيها من ابن الشاط، كما هو الشأن في سائر تعقيباته وتصحيحاته التي يأتي بها تعليقا على كلام القرافي رحمهما الله جميعا.
وصلاة الاستخارة وما فيها من دعاءٍ، شرعها النبي - صلى الله عليه وسلم - لمخالفة أهل الجاهلية فيما كانوا عليه من التفاؤل والتشاؤم عند العزم على الأمور بإثارة الطيور وذهابها يمينا وشمالا، ولتصحيح عقيدة المسلم =

<<  <  ج: ص:  >  >>