للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المعتزلة الذين يقولون: إنه أهل للخير فقط، ولَا يُنسَب إلى شأنه إلا ذلك. (٦٢)

قلت: العُرْف صيَّره إلى أن المراد به الخيرُ حتَّى إنه لا يحتاج إلى نية، ولهذا تجد الداعىَ أبدا يقول: اللهم افعل بي ما أنت أهْلُهُ ولا تفعل بي ما أنا أهْلُهُ، فهو يُريد الفضلَ والإحسانَ حيثُ قابلَه بما هو أهْل له من الإِساءة والنقص، فهو عامٌّ أريدَ به الخصوصُ. (٦٣)

القسم التاسع الدعاءُ المحرَّم الذي ليس بكفرٍ، الدعاءُ المرتَّب على استئناف المشيئة، كأن يقول: اللهم قدّر لي الخير، والدعاءُ بوضعه اللغوي إنما يتناول المستقبَل دون الماضي لأنه طلبٌ، والطلبُ للماضي محالٌ، فيكون مقتضى هذا الدعاءِ أن يقع تقدير الله تعالى في المستقبل من الزمان، واللهُ يستحيل عليه استئناف التقدير، بل وقع جميعُه في الأزل. وهذا إنما يصح على مذهب من يرى أن


(٦٢) قال القرافي هنا: وإن عَريَتْ نفس الداعى بهذا الدعاء عن النية بالكلية كان عاصيا، وإنما يستقيم على مذهب المعتزلة الذين يعتقدون أن الله تعالى يجب عليه رعاية المصالح وأنه أهل للخير فقط، فهذا هو شأنه عندهم، ومذهب الاعتزال إما كُفرٌ، أو فسوق بالاجماع من أهل السنة، فلا خير في هذا الدعاء على كل تقدير، وهما مذهبان ضالّانِ، يسبقان إلى الطباع البَشَرية، ولا يزال البَشَرُ معها حتى تُرَوِّضَهَا العلوم العقلية والنقلية، وهما الحشوية والاعتزال .. الخ
وقد عقب ابن الشاط على هذا الكلام بقوله: حكْمه بالمعصية في مثل هذا الدعاء، فيه نظر، فإنه لا يخلو أن يكون الداعى ممَن يعتقد مذهب الاعتزال أوْلا، فإن كان الأول فذلك ضلال كما قال، وهو: مختلَف فيه هل هو كفر أو ضلالٌ غيرُ كفْر، وإن كان لا يعتقد مذهب الاعتزال فقرينةُ الحال في كون الإنسان لا يريد لنفسه إلا الخير مع سلامته من اعتقاد الاعتزال تُقَيِّدُ مطلق دعائه، فلا كفر ولا معصيةَ.
(٦٣) قلت: وهو تعليق وجيه ولطيف عند الشيخ البقوري رحمه الله، أظهرَ مَخرجا للإِشكال الواردِ فى مثل هذا الدعاء. كما أورَدَهُ القرافي.

<<  <  ج: ص:  >  >>