للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم الكِبْرُ قد يكون واجبا على الكفار في الحرب وغيره (١٠٤)، وقد يكون مندوبا كالكبر على المبتدعين، وقد يكون حراما، والاباحة فيه بعيدة.

وأمَّا التجمل بالملابس فهو من أفعال، لجوارح لا من دعل القلب، فينقسم إلى الأحكام الخمسة بحسب ما. قُصدَ له ذلك التزيين.

ثم ما يقع به الفرق ايضا أن أصْل التجمل الإِباحة، لقوله تعالى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ} (١٠٥) حتى يوجد ما يدل على التحريم أو غيرِه، وأصل الكبر التحربم حتى يوجد ما يدل على خلاف ذلك.


(١٠٤) كذا في جميع النسخ الثلاث على اعتبار أن كلمة الحرب قد تذكر، والأغلب والأفصح استعمالها مونثة، بدليل قول الله تعالى خطابا لعباده المومنين في حالة جهادهم للكافرين: {فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا} سورة محمد. الآية ٤.
وعن ذلك قول الشاعر الجاهلي الحكيم، زهير بن أبي سلمى في قصيدته المعلقة الشهيرة، وهو يصف فيها الحرب الطويلة التي قامت بين قبيلتي عَبس وذبيان، واستمرتْ سنوات أدت إلى تطاحن كبير، وإلى شَر وَبيل مستطير، ويدعوهما إلى الصلح والتصالح، ويمدح الشخصين والرجليْن اللذين سعيا في ذلك الصلح، وهما هَركما بن سنان، والحارث بن عوف، فقال في ذلك، وهو يخاطب المتحاربين من قبيلتي عبس وذبيان، ويحذرهم من سوء عاقبة الحرب ويدعوهم إلى الصلح والتصالح ويرغبهم فيه.
وما الحربُ الا ما علمتم وذُقْتمو ... وما هو عنها بالحديث المرجَّم
متَى تبعثوها تبعثوها ذميمة ... وتَضْرى إذا ضرَّيتموها فتَضْرم
فَتْعركْكُم عرك الرحى بثِفالها ... وتلْقَحْ كِشافا ثم تُنتِجْ فتُتئم.
أي إن نتيجة الحرب إفناءُ وإهلاك الطرفين المتحاربيْن، وطحْنُهما مثلما تطحن الرحى خِرقتها المبسوطة تحتها ليقع فيها الطحين، وتتولد عها أصناف الشرور، مثلَما تتولد الاولاد الناشئة من الامهات، وهي كذلك في كل زمان ومكان، ومصائبها وشرورها ومآسيها في هذا العصر والأوان اعظم واكبر، ولذلكم فإن العقلاء من الناس يعملون دائما على تجنبها، اللهم الا ان تكون دفاعا محضا عن عقيدة المسلم ودينه ليوطنه، وإعلاء لكلمة الله، فإن المسلمَ يَستَعْذبها ويتحمس لها حينئذ ويعتبرها ووراها جهادا في سبيل الله، ونصر للحق، ولدينه الحنيف.
ومن الموافقات والفوائد اللغوية أن كلمة السلم، ضد الحرب، هي بدورها تُستعمل كذلك مونثة، ومن ذلك قول الله تعالى خطابا لنبيه الكريم في معاملته للكافرين اثناء الحرب وجهاده لهم إعلاء لكلمة الله: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}. سورة الأنفال: الآية ٦١. وقوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} سورة البقرة، ٢٠٨.
(١٠٥) وتمامها من اولها، قول الله نعالى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}. سورة الأعراف، الآية ٣٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>