للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وخواص النفوس لا شك فيها (١٣٤)، فليس كل أحدٍ يوذِي بالعين، والذين يوذون بها تختلف أحوالهم في ذلك، فمنهم من يعيد بالعين الطير من الهواء، ويُقْلِع الشجر العظيم من الثَّرَى، وآخَرُ إنما يصل للتمريض الضعيف اللطيف. ومن الناس من طبع على صحة الحَزْر (١٣٥) ولا يخطئ في الغالب، ثم نجد واحِداً له خاصة في علم الكشف، وآخرُ في الرمل، وَآخَرُ في النجْم.

ومن خواص النفوس ما يقتُلُ. في الهند جماعة إذا ركبوا نفوسهم لقتل شخص مات، ثم إنْ شُقَّ صدره في الوقت لا يُوجَدْ، بل انتزعوه من صدره بالهمة والعزم وقرة النفس، ويجرِّبُون بالرُّمان فيجمعون عليه همتهم فلا توجدُ فيه حبة، وخواصُّ النفوس كثيرة. (١٣٦)


(١٣٤) هي موضوع الحقيقة الثامنة عند القرافي بالنسبة للامور التي يلتبس بها السحر، قال فيها: وخواص النفوس هي نوع خاص من الخواص المودَعة في العالم، فطبيعة الحيوانات طبائع مختلفة حتى لا تكاد تتفق، بل نقطع أنه لا يستوى اثنان من الاناسي في مزاج واحد. ويدل على ذلك أنك لا تجد أحدا يشبه أحدا من حميع الوجوه ولو عظُمَ الشبَه، لابد من فرق بينهما. ومعلوم أن صفات الصور في الوجود وغيرها تابعة للامزجة، فلما حصل التباين في الصفات على الاطلاق وجب التباين في الامزجة على الاطلاق، فنفس طُبعَتْ على الشجاعة إلى الغاية، وأخرى على الجبن إلى الغاية، وأخرى على الخير إلى الغاية، وأخرى على الشر إلى الغاية، وأخرى أي شيء عظمَتْهُ هلَك، وهذا هو المسمى بالعين ...
قلت: والإذاية بالعين واقعية ثابتة، كما نصت عليه الاحاديث النبوية الصحيحة.
فمن ذلك قول النبي - صلى الله عليه وسلم - "العين حق، ولو كان شئً سابق القدرَ لسبقتْه العين"، "وإذا استُغسِلم فاغسلوا". رواه الشيخان، وأبو داود الترمذي رحمهم الله، وقالت عائشة رضى. الله عنها: كان يومَرُ العائن فيتوضأ، ثم يغتسل منه المعين" رواه أبو داود رحمه الله.
(١٣٥) الحزرُ مصدر قياسي للفعل الثلاثي حَزَر الشيء يحزِزه بضم الزاي كسرها في المضارع (إذا قدره بالحدس) أي بالخرْص والتخمين، قال ابن مالك في ألفيتيهِ عن مصدر. الفعل الثلاثي المتعدي
فَعْل قياسُ مصَدر المعَدَّى ... من ذى ثلاثة كرد رداً
(١٣٦) علق الشيخ ابن الشاط على ما جاء عند القرافي في هذه الحقيقة الثامنة المتعلقة بخواص النفوس فقال: في كلامه ذلك تسامح في إطلاق لفظ الخاص، وهو يريد مقتضَى الامزجة والطبائع. ولفظ الخواص لا يطلقه أهل علم الخواص -وهم الطبيعيون- على ذلك مطلقا، بل على أمر لا ينسبونه إلى الامزجة والطبائع. وما حكاه عن الهند لا أدرى صحتة من سقمه، وما قاله من أن في الحديث الذي ذَكَرَ، إشارة إلى تبين الأخلاق والخُلُقِ والسجايا، هو الظاهر، ويحتمل غير ذلك، والله أعلم. =

<<  <  ج: ص:  >  >>