للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما الخبر، وان كان مساويًا للمبتدأ فقد انحصر أيضًا في المبتدأ كما انحصر المبتدأ فيه، وإن كان أعم فلم ينحصر، فإن الحيوانية تكون في الانسان وفي الفرس (٩٥).

قلت: وقد لا يسلم هذا البحث الذي قاله شهاب الدين رحمه الله، فإن الأخص الذي هو الانسان مركب من الحيوانية والناطقية، والحيوان دال على الجزء الواحد مما كان في الخاص، والمركب من جزءين لا يحصر في أحد جزءيه ولا يتعقل؛ إلا أنه قد يقال: هذه مغالطة من حيث الخروج عن الأعم والأخص إلى المنفرد والمركب، وما ذكره المؤلف صحيح باعتبار العموم والخصوص.

وقولنا: الانسان ناطق، لا يصح أيضًا، لأن فرض المساواة يمنع أن يكون أحدهما حاصرًا والآخر محصورًا. إذ المعنيان متنافران، ويصدق أيضًا كما قلنا: أن المبتدأ حصر فيه الخبر فيكون الشيء الواحد حاصرًا ومحصورًا.

ثم قال شهاب الدين: ومع ما قلناه، فقد فرق العلماء بين قولنا: زيد قائم، لم يجعلوه للحصر. وبين قولنا: زيد القائم، فجعلوه للحصر، ثم قال:

والجواب عن هذا السؤال أن الحصر حصران: حصر يقتضى نفي النقيض فقط، وحصر يقتضى نفي النقيض والضد والخلاف وما عدا ذلك الوصف على الاطلاق، فهذا الحصر الثاني هو الذي نفاه العلماء عن الخبر إذا كان نكرة. وأما الحصر الأول فلم يتعرضوا له (٩٦).


(٩٥) علق ابن الشاط على قول القرافي في أول هذا الفرق: إن المبتدأ يجب انحصاره في خبره مطلقًا، كان معرفة أو نكرة، بسبب أن خبر المبتدأ لا يجوز أن يكون أخَصَّ، بل مساويًا أو أعم ... إلخ. فقال ابن الشاط: ما قاله القرافي هنا من أن المبتدأ يجب انحصاره في الخبر مطلقًا، بمعنى إنه لا يوجد إلا فيه ومعه، ليس بصحيح، بل الصحيح أنه لا يجب ذلك، لا مطلقًا ولا مقيدًا.
وقوله: بسبب أن خبر، لمبتدأ لا يجوز أن يكون أخص، بل مساويًا أو أعم، ليس بصحيح أيضًا، بل لا يجوز أن يكون الخبر إلا مساويًا للمبتدأ لا أخص ولا أعم، فإنه إذا أخبر بشيء عن شيء فليس المراد إلا أن الذي هو المبتدأ هو بعينه الخبر.
وهو تعليق وتعقيب مهم كسائر تعاليقه في الفروق رحمه الله، فليتأمل كلامه بإمعان، فإنه دقيق
(٩٦) في نسخة ح: فلم يتعرض إليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>