للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المذهبين ضعيفَ الدلالة بحيث لو حَكم به حاكم لنقضناه لم يَحْسُن الورع في مثله، وانما يحسن إذا كان يمكن تقرير شرعيته (١٧٣).


= فإن قيل: فقد روى جماعة قرآتها، وقد تولّى الدارقطني جمع ذلك في جزء صححه. قلنا: لسنا ننكر الرواية، لكنَّ مذْهَبنَا يترجح بأن أحاديثنا -وإن كانت أقل-، فإنها أصحُّ، بوَجْهٍ عظيم، وهو المعقول في مسائل كثيرة من الشريعة.
وَذلك أن مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة انقرضَتْ عليه العصور، ومرَّتْ عليه الأزمنة من لدن زمان الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى زمان مالك، ولم يقرأ فيه أحد [قطُّ] بسمِ الله الرحمن الرحيم، اتباعاً للسُّنة، بَيْدَ أن أصحابنا استحبوا قرآتَهَا في النفْل، وعليه تُحْمل الآثار الواردة في قراتَها. ثم أورد القاضي ابن العربي بحد ذلك، الحديثَ القدسي الصحيحَ الثابتَ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الله تعالى يقول: قسمت الصلاة بيني وبين عبدى نصغين، فنِصْفُها لي ونصفُها لعبدي، ولعبدي ما سأل ... إلى آخر، الحديث أوردهُ كل من القرافي والبقوري هنا، وقال ابن العربي في ختامه:
فقد تولى سبحانه قسمة القرآن (أي القراءة) بينه وبين العبد بهذه الصفة، فلا صلاةَ لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب، وهذا دليل قوي، (أي من حيث لم يرد فيه ذكر البسملة كما عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأنه قال: لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب، وثبت عنه أنه قال: من صلى صلاة لم يَقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خِدَاج -ثلاثا- غيرُ تمام.
وبذلك يتضح مستنَد علماء المالكية القائلين بعدَم قراءة البسملة في الصلاة الفريضة، كما هو مبسوط عندهم في كتب الاحكام والتفسير والحديث والفقه.
(١٧٣) كذا فى نسخة ع. وفي ح: شريعَتِه.
وقد علق الشيخ ابن الشاط على ما جاء من هذا الكلام عند القرافي، فقال: لا يصح ما قاله من أن الخروج عن الخلاف يكون وَرَعاً، بناءً على أن الورع في ذلك لِتوقع العقاب، وأيُّ عقاب يُتوقع في ذلك؟ .
وأما على القول بتصويب أحد القولين أو الأقوال دون غيره، فالإجماع منعقد على عدم تاثيم المخطئ وعدَم تعيينه، فلا يصح دخول الورع في خلاف العلماء على هذا الوجه.
وأما الدَّليلُ الدال على دخول الورَع في ذلك؛ فهذا أمر لا أعرف له وجها، غيرَ ما يُتَوهَّم من تَوَقع الإثم والعقاب، وذلك منتف بالدليل الاجماعي القطعي.
كيف يصح ذلك، والنبى - صلى الله عليه وسلم - يقول: "أصحبي كالنجوم بأيهم إقتديتم اهتديتم، فاطلَق القول من غير تقييد ولا تفصيل ولا تنبيه على وجه الورع في ذلك، ثم لم يُحْفظْ التنبيه في ذلك عنِ واحد من أصحابه ولا غيرهم من السلف المتقدم.
ثم الخروج عن الخلاف لا يتأتى في مثل ما مثل به كما في مسألة الخلاف بالتحريم والتحليل في الفعل الواحد، فإنه لابد من الأقدام على ذلك الفحل أو الانكفاف عنه، فإن أقدم عليه المكلف فقد وافَقَ مذْهبَ المحلل، وإن انكف عنه فقد وافق مذهبَ المحَرم، فأين الخروج من الخلاف؟ إنما ذلك عمل على وفق أحد المذهبين لا خروجٌ عن المذهبين.
ومثالُهُ أكل لحوم الخيل، فإنه مباح عند الشافعي، ممنوع أو مكروه عند مالك، فإن أقدم على الأكل فذلك مذهب الشافعي، وان انكفّ عنْهُ فذلك مذهب مالك. =

<<  <  ج: ص:  >  >>