للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفعلُ، للخروج عن عُهْدَة ترْك الواجب، (١٧٢). فإنْ اختلَفُوا هل هو حرام أو واجب فالعِقابُ متوقَّعٌ على كل تقدور، فلا ورَع، إلا أن يقال: إن المحرَّم إذا عارضه الواجب قُدِّم على الواجب، لأن رعاية درْء المفسدة أولى من رعاية حصول المصلحة، فيكون الورَع التركَ، وان اختلفوا هل هو مندوب أوْ مكروه فلَا ورَعَ لتساوي الجهتيْن، ويمكن ترجيح المكروهِ بما تقدَّم، في المحرّم، أما إذا كان أحدُ


(١٧٢) الخلاف في كون البسملة آية من الفاتحة أو ليست كذلك، وفي قرآتِهَا مع الفاتحة في الصلاة أم لا، خلاف قوى بين ائمة المذاهب الفقهية وعلمائها، وقد بسطه علماء التفسير، وشراح الحديث والفقهاء في محيبهم ومؤلفاتهم في الفقه وأصوله.
ومن ذلك ما قاله الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسيره: قال: "البسملة افتتح بها الصحابة كتاب الله، واتفقوا على أنها بعض آية من سورة النمل (أي في قوله تعالى حكاية عن بلقيسَ: {قَالَتْ يَاأَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ (٢٩) إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (٣٠) أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ}، ثم اختلفو، هل البسملة آية مستقلة في أولِ كل سورة أو من كل سورة كتبت فيها، أو أنها بعض آلةِ من كل سورة، أو أنها كذلك في الفاتحة دون غيرها، أو أنها إنما كتبت للفصل لا أنها آية، على أقوال للعلماء خلَفاً وسلفا، وذلك مبسوط في
محله".
ومن أدلة المذهب المالكي في القول بعدم قراتها في الصلاة الفريضة أثناء قرآة الفاتحة ما أخرجه الإِمام مالك رحمه الله في الموطأ عن أنس ابن مالك ضي الله عنه أنه قال: قمْتُ (أي صَلَّيتُ) وراءَ أو بكر وعمر وعمان، فكلهم كان لا يقرأ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إذا افتتح الصلاة، وكذلك الحديث القدسي الصحيح الذي جاء في كل من الموطأ وصحيح الإِمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: قال الله تعالى: (أي في هذا الحديث القدسي) "قسَمْتُ الصلاة بيني مع وبين عبدي نصفين، فنصفُها لي، ونصفها لعبدى، ولعبْدي ما سأل، فإذا قال العبد: الحمد لله رب العالمين، قال الله حمِدني عبدي ... إلى آخر هذا الحديث. قال الشيخ الزرقاني شارح الموطأ: فيه حجة قوية على أن البسملة ليست من الفاتحة، قال الإِمام النووي رحمه الله: وهو (أي هذا الحديث القدسي) من أوضح ما احتجوا به (أي الماَلكية)، لأن الفاتحة سبحُ آيات بالإجماع، فثلاث في اولها ثناءً، وثلاث دعاءٌ, والسابعة متوسطة بينها، وهي: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}.
ومن ذلك ما ذكره القاضي أبو بكر ابن العربي الْمَعَافِرِي رحمه الله، في الجزء الأول من كتابه: أحكام القرآنِ، حيث قال: "فإن قيل: هل تجب قرآتها (البسملة) في الصلاة؟ قلنا: لا نجبُ، فإنَ أنس بن مالك رضي الله عنه روَى أنه صلى خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأبي وعمر، فلم يكن أحدٌ منهم يقرأ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، ونحوُهُ عن عبد الله بن مُغَفل. فإن قيل: الصحيح من حديث أنس: فكانوا يفْتَتحون الصلاة بالحمد لله رب العالمين، وقد قال الشافعي: معناه أنهم كانوا لا يقبرأون شيئا قبل الفاتحة. قلنا: هذا يكون تأويلا لا يليق بالشافعي لِعِظَم فقهه، وأنس وابن مُغَفّل إنما قالا هذا، ردّاً على من يَرى قرآة بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. =

<<  <  ج: ص:  >  >>