للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القسم الثاني: ما لم يَرد في النصوص ولا كان في السلف، لأنه لم تكن أسْبابُ اعتباره موجودةً حينئذ، وتحددت في عصرنا، فتعيَّن فعله لتحدُّدِ أسبابه، لَا لأنه شَرْعْ مستأنَفٌ، بل عُلِمَ من القواعد الشرعية أن هذه الاسبابَ لو وُجدتْ في زمنِ الصحابة رضي الله عنهم لكانت هذه المسبَّباتُ من فعلهم، فتأَخَّر الحكم لتأخر سببه. (٢٤١) ولا فرقَ بيْنَ أن يُعلَم ذلك بنص أو بقواعدِ الشرع.

وهذا القِسم هو ما في زماننا من القيام للداخل من الأعيان وإحناء الرأس له، إن عَظُم قدْرُهُ جدًّا، والمخاطبةُ بجمال الدين وغير ذلك من النعوت، والإعراض عن الأعاء والكُنَى، والمكاتبات بالنعوت أيضا، كلَّ أحد على قدره، وتسطير اسم الكاتب بالمملوك ونحوه، والتعبير عن المكتوب إليه بالمجلس الناس في المجالس، والجناب، ونحو ذلك من الأوضاع الغَرِبيةِ، ومن ذلك ترتيب الناس في المجالس، فهذا لم يكن عند السلف، ونحن اليوم نفعله، وهو جائز مامور به مع كونه بدعة. وبهذا أفتى عزّ الدين بن عبد السلام، وكان لا تاخذه في الله لوْمةُ لائمِ، حيث


= وعن أبي هريرة رضي الله عنه (وهو من الصحابة المُكْثِريِن الدين رووا أحاديث كثيرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بحكم ملازمته المستمرة له) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: حق المسلم على المسلم سِتٌّ: "إذا لقِيتَه فسلِّمْ عليه، وإذا دعاك فأجِبه، وإذا استنصحك فانصَحْ له، وإذا عطس فحمد الله فشِمته (أيْ ادْعُ له وقل له: يرحمُك الله)، وإذا مرضَ فعلْه، وإذا مات فاتَّبِعْهُ". رواه الشيخان وغيرهما من بعض اصحاب السُّنن رحمهم الله.
وفي مشروعية تقديم صاحب المنزل على غيم للصلاة بالناس، ما بُىوى عن أبي عطية رضي الله عنه قال: كان مالك بن الحويرث ياتِينا في مصَلَّانا يتحدث، فحضرت الصلاةُ يوما، فقلنا له: تقدَّمْ، فقال: لِيتقَدَّمْ بعضكم حتَّى أحدثكم لم لا أتقدمُ، سَمِعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: من زار قوما فلا يَؤمَّهم، ولْيَؤمَّهُمْ رجلٌ منْهم". رواه أصحاب السُّنن.
(٢٤١) زاد القرافي رحمه الله هنا قولَه: "ووقوعُهُ عند وقوع سببه لا يقتضي ذلك تجديد شَرْعٍ ولا عدمَه، كما لو أنزل الله سبحانه حُكْماً في معصية من لواط وغيره، مِنْ رجم أو غيره من العقوبات، فلم توجد تلك المعصية أو ذلك الفعل زمن الصحابة، وَوُجد في زماننا فرتَّبْنا عليه تلك العقوبة (المشروعة) لم نكن مجَدّدين لشْرع، بل تَقَرر في الشرع".
وهو مَلْحَظ وجيه وهام ومفيد جدا، لفَهْمِ ما يستجِد من مثل هذه الامور، ومعرفة حكم الشرع فها ونظره إليها، فليتأمّل ذلك، والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>