للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم قال سفيان: قد قدِمتُ لِأصَلِّيَ في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبشرَك برؤيا رأيتها، فقال مالك: نامتْ عينُك (٢٤٦)، خيراً إن شاء الله، قال سفيان: رأيتُ كأن قبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - انشق، فأقبل الناس يهرعون من كل جانب، والنبي - صلى الله عليه وسلم - يَرُدّ بأحسنِ ردّ، قال سفيان: فإني بِكَ، واللهِ، أعرفك في منامِي كما أعْرفك في يقظِتي، فسَلَّمْتَ عليه فردَّ عليك السلام، ثم رمَى في حِجْرك بخاتم نزعه منْ أصبعه، فاتقِ الله فيما أعطاك عليه السلام، فبهي مالك بكاء شديدا. قال سفيان: السلام عليكم، قال (٢٤٧): خارجٌ الساعةَ؟ قال: نعم، فودّعه مالك، وخرج.

المسألة الثالثة: تقبِيلُ اليد. قال مالك: إذا قَدِمَ الرجلُ مِنْ سفرِه فلا باس أن يُقَبل بنتَه وأخته في خدها. (٢٤٨)

قال شهاب الدين: وقول مالك انه يقبل خدَّا بنتِهِ، محمول على ما إذا كان هو وغيره عنده سواء، أمّا متَى حصل الفرق في النفْس صار استمتاعا حراما، والانسان يطالع قلبه ويحَكِّمه في ذلك (٢٤٩).


(٢٤٦) عبارة القرافي: رأتْ عيناك خيْراً إن شاء الله.
(٢٤٧) عبارة القرافي: قالوا له أخارجٌ الساعة؟ قال: نعَمْ؟
ثم قال القرافي: فيوخَذُ من مجموع هذه النقول أن المعانَقة وردتْ بها السنة، وأن سفيان كان يعتقد عموم مشروعيتها، وأن مالكا كان يَكْرَهُها.
ومن ذلكَ ما أخرجه الحافظ المنذري رحمه الله عن أنس رضي الله عنه قال: "كان أصحابُ النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا تَلاقَوْا تصافَحُوا، وإذا قَدِموا من سفر تعانقوا، قال المنذرى: رواه الطبراني، ورواتُه محتَجٌّ بهم في الصحيح.
(٢٤٨) عبارهَ القرافي هنا، قال مالك: إذا قدِمَ الرجل من سفره، فلا باسَ أن تقبله ابنته وأخته، ولَا باسَ أن يقبِل خَدَّ ابنته، وكرِهَ أن تقبله ختَنَتُهُ ومعْتَقَتُه وإن كانت متجالَّة، (أي كبيرة السّن).
ولا بأس أن يقبل رأس أبيه، ولا يُقبِلُ خدَّ أبيه أوْ عمه، لأنه لم يكن من فعل الماضين.
(٢٤٩) ومن الأدلة على جواز تقبيل اليد والرِجْل، ومشروعية ذلك، ما نقله القرافي عن ابن رشد، ورواه الترمذي وأبو داود من حديث صفوان بن عَسَّال أن بعض اليهود سألوا النبي - صلى الله عليه وسلم - عن التسع آيات بينات، الواردة في القران (أي في قوله تعالى من أواخر سورة الإسراء): {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ}، فقال - صلى الله عليه وسلم -: لا تتركوا بالله شيئا، ولا تَسْرقوا، ولا تزْنُوا، ولا تقتلوا

<<  <  ج: ص:  >  >>